ونحن نعلم بالضرورة أنَّ النبي ﷺ لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدًا من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرها.
بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الأكبر الذي حرّمه الله ورسوله (^١). قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا
_________
(^١) قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية في ردِّه على البكري "ص ٢٣٢":
سؤال الميت والغائب نبيًا كان أو غيره من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين لم يأمر الله به ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين. وهذا مما يعلم بالإضطرار من دين المسلمين أن أحدًا منهم ما كان يقول: إذا نزلت به ترة أو عرضت له حاجة لميت يا سيدي فلان أن في حسبك أو اقضِ حاجتي. كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين. ولا أحد من الصحابة ﵃ إستغاث بالنبي ﷺ بعد موته ولا بغيره من الأنبياء لا عند قبورهم ولا إذا بعدوا عنها وقد كانوا يقفون تلك المواقف العظام في مقابلة المشركين في القتال ويشتد البأس بهم ويظنون الظنون ومع هذا لم يستغث أحد منهم بنبي ولا غيره من المخلوقين ولا أقسموا بمخلوق على الله أصلًا ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء ولا قبور غير الأنبياء ولا الصلاة عندها وقد كره العلماء كمالك وغيره أن يقوم الرجل عند قبر النبي ﷺ يدعو لنفسه وذكروا أن هذا من البدع التي لم يفعلها السلف، اهـ.
وقال ﵀ وأسكنه الفردوس الأعلى- كما في مجموع الفتاوى لابن قاسم "١/ ١٥٩":
فإن دعاء الملائكة والأنبياء بعد موتهم وفي مغيبهم وسؤالهم والإستغاثة بهم والاستشفاع بهم في هذه الحال ونصب تماثيلهم -بمعنى طلب الشفاعة منهم- هو من الدين الذي لم يشرعه الله ولا ابتعث به رسولًا ولا أنزل به كتابًا وليس هو واجبًا ولا مستحبًا باتفاق المسلمين ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين وإن كان ذلك مما يفعله كثير من الناس ممن له عبادة وزهد ويذكرون فيه حكايات ومنامات فهذا كله من الشيطان، اهـ. وانظر الفتاوى "١/ ١٦٠ - ١٦١ - ١٦٢".
1 / 36