أرخى من وثاقه؛ واتسع ضيق خناقه. حلق في مطار اوطاره، وحرك لغواته أوتار أوتاره.
واجتمع السلطان بأخيه الملك العادل، واتفقا على طي المراحل، ونشر القساطل، وحل معاقد المعاقل، وسل قواصم القواصل. ونزل على عسقلان، وشديدها قد لان، وقد آتاها الله الخذلان. فتجلد من بها على الحصار، وتخوفت أسودها الخادرة من الاصحار. وتربصوا وتصبروا، وتترسوا وتستروا. وحاصوا وصاحوا، وحانوا وناحوا. وأبلسوا وأبسلوا، وأعولوا مما عليه عولوا. وشبوا وشابوا، وخبوا وخابوا. لكنهم استقبلوا الموت واستقتلوا. وتعقدوا على الفتح وما تحللوا، وأخزنوا في الإباء وما أسهلوا. وجهدوا وجهلوا.
فأقام السلطان عليها مجانيق مجت نيقها، وفرجت بالحجارة طريقها، ورجت بالتفريق فريقها، ووسعت بالتضييق ضيقها، وأضعفت بالتوثيق. وجمعت شمل الحجارة بالنار التي وقودها الناس والحجارة، ولفحتهم نيرانها. وتوالت عليهم بعد الشرارة الشرارة، وخربت منهم العمارة، ووجبت بالجسارة منا لهم الخسارة. وتهدمت الصخور بالصخور، ولزم عبث بورهم بالثبور. وجسر النقاب فحسر النقاب، وباشر الباشورة فرفع الحجاب. واشتد القتال، واحتد المصال.
وراسلهم عند ذلك الملك المأسور. وقال: قد بان عذركم حين نقب السور. وجرت
حالات، وتكررت حوالات، وترددت رسالات. وقال لهم الملك الأسير لا تخالفوا ما به أسير، وأطيعوني ما استطعتم، واسمعوا مني إذا سمعتم، واحفظوا رأسي فهو رأس مالكم، وحلية حالكم، ولا تخطروا غيري ببالكم، فإني إذا تخلصت خلصت، وإذا استقذت استنقذت.
وخرج مقدمون وشاوروا الملك، ونهجوا في التسليم نهجا سلك. وسلموا عسقلان على خروجهم بأموالهم سالمين، واستوفوا بذلك الميثاق واليمين. وذلك يوم السبت لانسلاخ جمادى الآخرة، وتلألأت السعود في اوجها بالأوجه السافرة.
وممن استشهد على عسقلان من الأمراء الكبراء (إبراهيم بن الحسين المهراني) وهو أول أمير افتتح بالشهادة، واختتم بالسعادة. وكان السلطان قد أخذ في طريقه إليها الرملة ويبنى وبيت لحم والخليل. وأقام بها حتى تسلم حصون الداوية: غزة والنطرون وبيت جبريل. وكان قد استصحب معه مقدم الداوية وشرط معه أنه متى سلم معاقلهم أطبقه. فسلم هذه المواضع الوثيقة لما أخذ موثقه.
واجتمع بالسلطان ولده صاحب مصر (الملك العزيز عثمان) على عسقلان بشارة وبشارة، وراية وآية. وهيئة وهيبة، وثرة وثروة. وهزة وعزة. وعدة وعدة، وجدة
1 / 65