وحصلت من الإقامة أو السفر؛ على الخطر أو الحذر. وتعذر المقام لعذر السقام، واشتغلت عن آلاء شغلي بالآلام. وحملني اختلالي بنصبي على إخلالي بمنصبي. وعزت على مفارقة السلطان، وهو بإعزازي على مواصلة الإحسان. فمضيت
على مضض، وانصرفت بمضرة ومرض. وحملت إلى دمشق في محفة، وحصلت بفضل الله من طيب هوائها بعد الثقل بخفة. فتفضل الله بالشفاء، وبدل الكدر بالصفاء.
وعدت إلى السلطان يوم فتح القدس، وانتهت الوحشة إلى الأنس. وتسلم السلطان بيروت يوم الخميس التاسع والعشرين من جمادى الأولى مطاع الأمر، مشاع النصر، مذاع السر في تضوع النشر، وتوضح البشر. مستفيض السيادة، مستضيف الزبادة، ناجح الإرادة، راجح العباد. رابح المتجر، واضح المفخر. قد شب غرب الهدى، وجب راغب العدا. واستجدى من منّ الله منحا، واستجد باستفتاحه فتحا، واستفاد ملكا، واستزاد ملكا.
وبر بيروت إذ برت، وانبرى لبرى قوسها فأبرت، وقرر مصالحها ومناجحها فاستقرت، وحفلت له أخلاف الفتوحات فدرت. واستمرى صوب الصواب من عزائمه وصرائمه فاستمرت.
فتح جبيل
يوم الثلاثاء سابع عشري جمادى الأولى
ووصل (كتاب الصفي بن القابض) وهو يومئذ قد فوضت منه دمشق إلى الكافي الناهض. يتضمن أن (اوك) صاحب جبيل - أسر إليه في أسره، واستشاره في أمره - وقال له إن قنع مني بتسليم جبيل سلمت وسلمت وأبحتها لكم وتحرمت، وأخرجتها من عصمتي وخرجت واعتصمن. فأنا أطلقها إن أطلقت، وأزيلها من وثاقي إذا وثقت:، فأجيب باحترازه من كيده، وإحضاره في قيده. لأحضر في صفده، وسمح ببلده. فخلص ناجيا، وملص راجيا.
وملكت مدينة جبيل، وجرت عليها الفتوح الذيل. ونحن يومئذ على بيروت
حاضرون حاصرون، ولأعداء الله مصابرون مكابرون. وكان معظم أهل صيداء وبيروت وجبيل مسلمين مساكين، لمساكنة الفرنج مستسلمين. فذاقوا العزة بعد الذلة، وفاقوا الكثرة بعد القلة. وصدقت البشائر، وصدحت المنابر. وترنمت المحاريب، وترنحت المطاريب. وتليت الايات، وجليت الغيابات. وخرجت الكنائس وعمرت المدارس. وظهر عيب البيع، وشهر جميع الجمع. وقرئ القرآن، واستشاط الشيطان. ونطقت الأعواد، وحقت الأعياد. وخرصت النواقيس، وبطلت النواميس.
ورفع المسلمون رءوسهم، وعرفوا نفوسهم. وانتعشوا من شكاة عثارهم، وانتقشوا من شوكة عارهم، وقروا في ديارهم، وقروا أبصارا لأنصارهم. وكان من استأمن من الكفار، يمضي إلى صور محمى الذمار.
1 / 62