وقربهم. وكساهم وحباهم، وآتاهم بعد ردهم إلى مغانيهم غناهم. وهذا دأبه في كل بلد بفتحه، وملك يربحه، إنه يبدأ بالأسارى فيفك قيودها، ويعيد بعد عدمها وجودها، ويحيي بعد اليأس آمالها. ويوسع أرزاقها بعدما أجال عليها ضيق الأسر آجالها. فخلص تلك السنة من الأسر أكثر عشرين ألف أسير للقيود ألف، ووقع في أسرنا من الكفار مائة ألف.
ولما خلوا القلعة وأخلوا البقعة؛ سيرهم ومعهم من العسكر المنصور من أوصلهم إلى صور ورتب في الموضع مملوكه (سنقر الدووي)، فأرشد به ذلك الصقع الغوى. فإن أعمال جبل عاملة مجبولة على الشر، وأهلها وأن كانوا مسلمين كانوا أعوانا لأهل الكفر، فوصى سنقر بتأنيس النافر، وتعكيس الكافر. وتأليف الجافل، وتعريف الجاهل. وقال له تبنى بتبنين ما هدم بالمنجنيق، وتجد لسورها وخندقها
كل ما يمكن من التوثيق والتعميق، ورحل ومعه رفيق التوفيق. وكان النزول على تبنين، يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى، وتسلمها يوم الأحد الثامن عشر منه.
فتح صيداء
يوم الأربعاء الحادي والعشرين من جمادى الأولى يوم النزول عليها
وسنحت له صيداء فتصدى لصيدها، وكانت همته في قيدها، وبادرها إشفاقا من مكر العداة وكيدها وسرْنا وسرّنا مرتاح، ونصرنا متاح، والجد جديد والمزاح مزاح. والعزم جزم، والحكم حتم. ونفحات الفتوح لمناشق أهل الهدى تفوح. ولفحات الردى لأعين العدا تلوح. ونص النصر قد تنزل، وقصد الصدق قد تعدل. وفكر الكفر قد توزع؛ وشرك الشرك قد تقطع وتقلع. وظل الظفر ضاف، وسر السرور غير خاف. والقدر عون والمعين قادر، والنظر سعيد والسعد ناظر. وأوجهنا وأوجه البشائر باشرة، ونيوب النوائب في أوجه المشركين كاشرة، والالسن لحديث الفتح الحديث ناشرة. وقد جفت أجفانها البواتر الواترة. وجلت دياجير النقع من لمعان الحديد السوافر الوافرة. واتصلت للممالك من الملائك إمداد النصرة المتواتية المتواترة.
ووصلنا في يومين إلى صيداء إلى منهل فتحها صادين، وعن حمى الحق دونها لأهل الباطل صادين. ولما نزلنا من الوعر إلى السهل سهل ما توعر، وصفا من الأمر ما ظن إنه تكدر. فصرفنا الأعنة إلى صرفند، وأسمنا في مسارحها الجند. وهي مدينة لطيفة على الساحل، مورودة المناهل. ذات بساتين، وأزهار ورياحين. وأشجار النارنج والاترنج تعرب مسراتها لجناتها عن أشجان الفرنج. فجسنا خلالها، وكل قلب مشغول خلالها. وراقتنا وشاقتنا تلك الحالة والحلية. وقرتنا بما اشتهينا من فواكهها تلك القرية.
1 / 59