الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون﴾؟
(أجاب) المعنى: إن في خلق السماوات والأرض وما فيها من العجائب كسمك لسماء وارتفاعها بغير عمد ولا علاقة، وما يرى فيها من الشمس والقمر والنجوم ومد الأرض وبسطها على الماء، وما يرى فيها من الجبال والبحار والمعادن والجواهر والأنهار والأشجار والثمار، واختلاف الليل والنهار بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان والنور والظلمة وقدم الليل؛ لأن الظلمة أقدم، وقيل: ذكر الليل والنهار بسبب أن انتظام أحوال العباد وسبب طلب الكسب والمعيشة يكون بالنهار، وطلب النوم والراحة يكون في الليل، واختلافهما إنما هو لتحصيل مصالح العباد. وقوله تعالى: ﴿والفلك﴾ أي: السفن ﴿التي تجري في البحر﴾ وجريانها بالريح مقبلة ومدبرة، وتسخير البحر لحمل السفن مع قوة سلطان الماء وهيجان البحر، فلا ينجي منه إلا الله تعالى. وقوله تعالى: ﴿بما ينفع الناس﴾ أي: من ركوبها والحمل عليها في التجارة وحمل الأرباح، وإن الله تعالى لو لم يقو قلب من يركب هذه السفن لما تم الغرض في تجارتهم ومنافعهم، وأيضا فإن الله تعالى خص كل قطر من أقطار العالم بشيء معين، وأحوج الكل إلى الكل، فصار ذلك سببا يدعوهم إلى اقتحام الأخطار في الأسفار من ركوب السفن وخوف البحر ونحو ذلك. وقوله تعالى: ﴿وما أنزل الله من السماء من ماء﴾ أي: المطر، ﴿فأحيا به﴾ أي: بالمطر ﴿الأرض﴾ أي: بالنبات ﴿بعد موتها﴾ أي: يبسها وجدبها، وسماه موتا مجازا؛ لأن الأرض التي لم يصبها المطر ولا الماء ميتة، ولأن الله تعالى جعله سببا لإحياء الجميع من حيوان ونبات، ونزوله عند الحاجة إليه بمقدار المنفعة، وإنزاله بمكان دون مكان. وقوله: ﴿وبث فيها من كل دابة﴾ أي: فرق في الأرض كل دابة. قال ابن عباس: الدابة كل ما دب على وجه الأرض من جميع الخلق؛ لأنهم ينمون بالخصب. وقوله: ﴿وتصريف الرياح﴾ أي: مهابها جنوبا وشمالا ودبورا حارة باردة لينة وعاصفة، وسميت رياحا؛ لأنها تريح. قال ابن عباس: أعظم جنود الله تعالى الريح. وقيل: ما هبت ريح إلا لشفاء سقيم أو ضده. وقيل: البشارة في ثلاث رياح: الصبا والشمال والجنوب، وأما الدبور هي الريح العقيم التي أهلكت بها عاد، والآية في الريح
أنها جسم لطيف لا يمسك ولا يرى، وهو مع ذلك في غاية القوة، تقلع الشجر والصخر، وتخرب البنيان العظيم، وهي مع ذلك حياة الوجود، فلو أمسكت طرفة عين لمات كل ذي روح ولنتن ما على وجه الأرض. وقوله تعالى: ﴿والسحاب﴾ أي: الغيم ﴿المسخر﴾ أي: المذلل سمي سحابا لسرعة سيره ﴿بين السماء والأرض﴾ بلا علاقة، ففي هذه الأنواع الثانية التي هي خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك ونفع
1 / 39