الْإِنْس، وَقد ذكرت ذَلِك بِمَا فِيهِ فِي (شرح الْعباب) فِي بَاب الْأَحْدَاث. وَمِنْهَا سَيَأْتِي الْكَلَام على تشكل الجني فِي الصُّور الْمُخْتَلفَة وَمثله الْملك فِي ذَلِك. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: مَجِيء جِبْرِيل للنَّبِي ﷺ فِي صفة رجل مَعْنَاهُ أَن الله تَعَالَى أفنى الزَّائِد من خلقه وأزاله عَنهُ ثمَّ يُعِيدهُ إِلَيْهِ بعد. وَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: إِذا أَتَى فِي صُورَة دِحْية فَأَيْنَ رُوحه أَفِي هَذَا الْجَسَد أم فِي الْجَسَد الْأَصْلِيّ الَّذِي لَهُ سِتّمائَة جنَاح، فَإِن كَانَ فِي هَذَا فَلَيْسَ الْآتِي بِروح جِبْرِيل وَلَا جسده، وَإِن كَانَ فِي الْجَسَد الَّذِي كَانَ كدحية فَهَل مَاتَ جسده الْأَصْلِيّ كَمَا تَمُوت الأجساد بمفارقة الْأَرْوَاح؟ قلت لَا يبعد أَن يكون انتقالها من الْجَسَد الْأَصْلِيّ غير مُوجب لمَوْته، لِأَن موت الْجَسَد بمفارقة الرّوح لَيْسَ بِوَاجِب عقلا فَيجوز بَقَاؤُهُ حَيا لَا ينْقض من أَعماله شَيْء، وانتقال روحه إِلَى الْجَسَد الثَّانِي كانتقال أَرْوَاح الشُّهَدَاء إِلَى أَجْوَاف الطُّيُور الْخضر انْتهى. وَقَالَ السراج البُلْقِينِيّ: يجوز أَن يكون الْآتِي هُوَ جِبْرِيل بشكله الْأَصْلِيّ إِلَّا أَنه انْضَمَّ فَصَارَ على قدر هَيْئَة الرجل ثمَّ يعود إِلَى هَيئته كالقطن إِذا جمع بعد أَن كَانَت منتفشًا فَإِنَّهُ بالنفش تحصل لَهُ صُورَة كَبِيرَة وذاته لم تَتَغَيَّر انْتهى. وَقَالَ الْعَلامَة القونوي (شَارِح الْحَاوِي) فِي تشكل جِبْرِيل رجلا: فِي الْمُمكن أَن يخص الله بعض عباده فِي حَيَاته بِخَاصَّة لنَفسِهِ الملكية القدسية وَقُوَّة لَهَا بقدرتها على التَّصَرُّف فِي بدنهَا الآخر غير بدنهَا الْمَعْهُود مَعَ اسْتِمْرَار تصرفها فِي الأول. وَقيل: سميت الأبدال أبدالًا لأَنهم قد يرحلون لمَكَان ويخلفون فِي مكانهم الأول شبحًا آخر شَبِيها بشبحهم الْأَصْلِيّ بَدَلا عَنهُ، وَقد أثبت الصُّوفِيَّة عَالما متوسطًا بَين عالمي الأجساد والأرواح سموهُ عَالم الْمِثَال، وَقَالُوا هُوَ ألطف من عَالم الأجساد وأكثف من عَالم الْأَرْوَاح، وبنوا على ذَلِك تجسد الْأَرْوَاح وظهورها فِي صور مُخْتَلفَة من عَالم الْمِثَال، وَقد يسْتَأْنس لذَلِك بقوله تَعَالَى: ﴿لاَ يَفْتُرُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاء: ٢٠] أَنهم لَا ينامون وَهُوَ مَنْقُول فِي كَلَام الْفَخر. وَمِنْهَا: قَالَ بعض الْحَنَفِيَّة: يحْشر ملك الْمَوْت مَعَ النَّاس وَلَا يخَافُونَ مِنْهُ لِأَن الله تَعَالَى أَمنهم مِنْهُ بقوله: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍءَامِنِينَ﴾ [الْحجر: ٤٦] أَي من الْمَوْت والزوال وَقَوله: ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ﴾ [الدُّخان: ٥٦] وَبَقِيَّة الْمَلَائِكَة يكونُونَ فِي الْجنَّة لَكِن بَعضهم يطوفون حول الْعَرْش يسبحون بِحَمْد رَبهم، وَبَعْضهمْ يبلغون السَّلَام من الله على الْمُؤمنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ [الرَّعْد: ٢٣ ٢٤] الْآيَة، وَقد ذكر جمع من الْحَنَفِيَّة أَنهم لَا يرَوْنَ رَبهم والأرجح خِلَافه كَمَا يَأْتِي. وَمِنْهَا: أخرج جمَاعَة عَن أبي مجلز فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالأٌّخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [الْأَعْرَاف: ٤٥] قَالَ: من الْمَلَائِكَة. قيل: أَنه تَعَالَى قَالَ: ﴿رجال﴾ وَأَنت تَقول الْمَلَائِكَة؟ قَالَ: إِنَّهُم ذُكُور لَيْسُوا بإناث، وَلما حَكَاهُ الْحَلِيمِيّ استبعده لِأَن الرِّجَال اسْم لذكور الْعُقَلَاء وَالْمَلَائِكَة لَا ينقسمون إِلَى ذُكُور وإناث، وَبِأَن إخْبَاره تَعَالَى عَنْهُم أَنهم يطمعون أَن يدخلُوا الْجنَّة فَتعين أَنهم لَيْسُوا مَلَائِكَة، إِذْ الْمَلَائِكَة لَا يحجبون عَنْهَا لما فِي الْحجب عَنْهَا من نوع تَعْذِيب وَلَا عَذَاب يومئذٍ على ملك انْتهى، وَتَبعهُ
1 / 46