أَو التفكر فِي الْمُعَامَلَة الَّتِي بَين العَبْد وربه؟ وَهل تَشْمَل الْعِبَادَة الَّتِي ذكرت فِي مُقَابلَة التفكر الْأَذْكَار والصلوات كالنوافل، وحينئذٍ فَمَا وَجه تَفْضِيل الْفِكر عَلَيْهَا مَعَ وُرُود الْأَخْبَار فِيهَا؟ وَهل رفع الصَّوْت بِقِرَاءَة الأوراد بعد الصَّلَوَات أولى من إسماع نَفسه سَوَاء السالكون وَغَيرهم كالجماعة المنسوبين إِلَى السَّيِّد عَليّ الْهَمدَانِي فَإِنَّهُم يقرءُون أوراده جَهرا كَمَا هُوَ مُعْتَاد الْمَشَايِخ، أَو يفرق بَين مَا إِذا كَانَ هُنَاكَ مصلّ أَو نَائِم أَولا؟ وَهل يجوز أَخذ الْيَد الْمَعْهُودَة بَين الصُّوفِيَّة من مَشَايِخ مُتعَدِّدَة سَوَاء مَاتَ الأوّل أَو انْتفع بِهِ أَو لَا؟ وَهل هِيَ التَّوْبَة أَو تَوْبَة مقرونة بالتحكيم؟ وَهل هما شَيْء وَاحِد أَو لَا؟ فَأجَاب نفع الله بِعُلُومِهِ وبركته، بقوله: ظَاهر السّنة أَن الْمَلَائِكَة لم يخلقوا دفْعَة وَاحِدَة. فقد أخرج عبد الرَّزَّاق بِسَنَدِهِ عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ ﵄ قَالَ: (قلت: يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي أَخْبرنِي عَن أوّل شَيْء خلقه الله قبل الْأَشْيَاء؟ قَالَ: يَا جَابر إِن الله خلق قبل الْأَشْيَاء نور نبيك مُحَمَّد ﷺ من نوره فَجعل ذَلِك النُّور يَدُور بِالْقُدْرَةِ حَيْثُ شَاءَ الله، وَلم يكن فِي ذَلِك الْوَقْت لوح وَلَا قلم وَلَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا ملك وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض وَلَا شمس وَلَا قمر وَلَا إنس وَلَا جن، فَلَمَّا أَرَادَ الله تَعَالَى أَن يخلق الْخلق قسم ذَلِك النُّور أَرْبَعَة أَجزَاء: فخلق من الْجُزْء الأوّل الْقَلَم، وَمن الثَّانِي اللَّوْح، وَمن الثَّالِث الْعَرْش، ثمَّ قسم الْجُزْء الرَّابِع أَرْبَعَة أَجزَاء: فخلق من الأول حَملَة الْعَرْش، وَمن الثَّانِي الْكُرْسِيّ، وَمن الثَّالِث بَاقِي الْمَلَائِكَة ثمَّ قسم الرَّابِع أَرْبَعَة أَجزَاء: فخلق من الأول نور أبصار الْمُؤمنِينَ، وَمن الثَّانِي نور قُلُوبهم وَهِي الْمعرفَة بِاللَّه وَمن الثَّالِث نور أنسهم وَهُوَ التَّوْحِيد لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله ﷺ . الحَدِيث، فَتَأَمّله تَجدهُ ظَاهرا أَو صَرِيحًا فِي خلق حَملَة الْعَرْش قبل خلق بَقِيَّة الْمَلَائِكَة. وَأخرج ابْن جريج وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: إِن الله تَعَالَى خلق الْمَلأ الْأَعْلَى الْمَلَائِكَة يَوْم الْأَرْبَعَاء وَخلق الْجِنّ يَوْم الْخَمِيس وَخلق آدم يَوْم الْجُمُعَة. وَأخرج أَبُو الشَّيْخ أَنه ﷺ قَالَ: (إِن لله تَعَالَى فِي الْجنَّة نَهرا يدْخلهُ جِبْرِيل فينفض قطرًا فيخلق الله من كل قَطْرَة تقطر مِنْهُ ملكا) . وَأخرج أَيْضا عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن لله نَهرا فِي الْهَوَاء يسع الْأَرْضين كلهَا سبع مَرَّات، فَينزل على ذَلِك النَّهر ملك من السَّمَاء فيملؤه ويسد مَا بَين أَطْرَافه ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ فَإِذا خرج مِنْهُ قَطَر مِنْهُ قطرات من نور فيخلق الله من كل قَطْرَة مِنْهَا ملكا يسبح الله بِجَمِيعِ تَسْبِيح الْخَلَائق كلهم. وَأخرج أَيْضا عَن كَعْب قَالَ: لَا تقطر عين ملك مِنْهُم إِلَّا كَانَت ملكا يطير من خشيَة الله وَأخرج أَيْضا عَن الْعَلَاء بن هارون قَالَ: لجبريل كل يَوْم انغماس فِي الْكَوْثَر ثمَّ ينتفض فَكل قَطْرَة يخلق مِنْهَا ملك. وَأخرج أَيْضا أَنه ﷺ قَالَ: (لَيْسَ من خلق الله أَكثر من الْمَلَائِكَة مَا من شَيْء ينْبت إِلَّا وَملك مُوكل بِهِ) . وَأخرج أَيْضا عَن الْحَاكِم قَالَ: بَلغنِي أَنه ينزل مَعَ الْمَطَر من الْمَلَائِكَة أَكثر من ولد آدم وَولد إِبْلِيس يُحصونَ كُلَّ قَطْرَة وَأَيْنَ تقع وَمن يُرزَق ذَلِك النَّبَات. وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عمر ﵄ يرفعهُ إِلَى رَسُول الله ﷺ قَالَ (الْمَلَائِكَة عشرَة أَجزَاء: تِسْعَة أَجزَاء الكروبيون الَّذِي يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون، وَقد وكلوا بخزانة كل شَيْء وَمَا من السَّمَاء مَوضِع إِلَّا فِيهِ ملك ساجد، أَو ملك رَاكِع، وَإِن الْحرم بحيال الْعَرْش؛ وَإِن الْبَيْت الْمَعْمُور بحيال الْكَعْبَة لَو سقط لسقط عَلَيْهَا يُصَلِّي فِيهِ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك ثمَّ لَا يعودون إِلَيْهِ) . وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب وَابْن عَسَاكِر أَنه ﷺ قَالَ: (إِن لله مَلَائِكَة ترْعد فرائضهم من مخافته مَا مِنْهُم ملك تقطر من عينه دمعة إِلَّا وَقعت ملكا قَائِما يسبح، وملائكة سجودًا مُنْذُ خلق الله السماوات وَالْأَرْض لم يرفعوا رؤوسهم وَلَا يرفعونها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وملائكة رُكُوعًا لم يرفعوا رؤوسهم وَلَا يرفعونها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وصفوفًا لم ينصرفوا عَن مَصَافهمْ وَلَا يَنْصَرِفُونَ عَنْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة تجلى لَهُم رَبهم ﷿ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَقَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا عبدناك كَمَا يَنْبَغِي لَك) . وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة أَمْلَاك جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت أول من خلقهمْ الله تَعَالَى من الْخلق وَآخر من يميتهم وَأول من يحييهم هَؤُلَاءِ المدبرات أمرا والمقسمات أمرا. فَهَذِهِ الْأَحَادِيث والْآثَار كلهَا ظَاهِرَة أَو صَرِيحَة فِي أَن الْمَلَائِكَة لم يخلقوا دفْعَة بل دفعات. وَهنا فَوَائِد لَا بَأْس بِالْإِشَارَةِ لشَيْء
1 / 44