فاستبطأ الساحرة فقال في سره: «ألا يخشى أن تخونني هذه الملعونة إذا أغراها سواي بمال كثير؟ فيجب أن أقتلها قبل خروجي من هنا.» ولكنه يعلم أن لها أعوانا ربما كانوا مختبئين هناك فعدل عن القتل وعزم على إطماعها بالمال الكثير خوفا من غدرها.
وبعد قليل عادت وفي يدها حق من الأبنوس فتحته وأرته فيه مسحوقا أبيض وقالت: «احذر أن تمسه بيدك؛ لأن ما يعلق منه بطرف إصبعك كاف لإزهاق الروح.» ثم أقفلت الحق ودفعته إليه.
فتناوله وقبل يدها، وقال: «لا تظني أني أنسى فضلك فإني معد لك هدية ثمينة سأدفعها إليك بعد الفراغ من هذا العمل.»
قالت: «لا حاجة بي إلى هدية ... خذ هذا الحق وامض إلى سبيلك.»
فتناوله وخبأه في جيبه وودعها وخرج. فرأى العبد في انتظاره فركب الجواد وعاد إلى فسطاطه وهو يمني نفسه بالفوز.
الفصل الثاني والثلاثون
الاستعداد
أما حمدون فقضى ذلك اليوم في فسطاطه وذهب في الغروب لتناول الإفطار على مائدة المعز كأمس وقد أخلص النية في مصادقته. وهكذا كان يفعل كل يوم من أيام رمضان ولمياء في قصر المعز معززة مكرمة وأم الأمراء تواليها بالإكرام والإيناس.
وقبل انقضاء رمضان ببضعة أيام أرتها القصر الذي ستعيش فيه بعد الزفاف وقد ملأته لها بالرياش والأثاث والتحف والجواري والغلمان. غير ما أهدتها إياه من المجوهرات والثياب الثمينة.
ولما دنا عيد الفطر أخذ حمدون يهيئ معدات الاحتفال في معسكره وهو لا يعمل إلا بمشورة أبي حامد، فأشار عليه هذا أن ينصب السرادقات على مرتفع بين يدي المعسكر، فنصبها على أكمات مشرفة على ساحة كبيرة ليلعب فيها الفرسان على الخيول، وفي مقدمة السرادقات سرادق كبير نصب فيه المقاعد للمعز وقائده ومن يختار أن يكون معه من خاصته. وسرادق للمطابخ تقام فيه الموائد وبينها مائدة خاصة بالخليفة وقائده وابنه وحمدون. واختص خدمتها بغلام صقلبي من غلمانه الخصوصيين أصله من صقالبة قصور قرطبة. وكان أبو حامد قد عاهده سرا على أمور تطمح أنظاره إليها وحمدون لا يعلم. وزعم أنه اختاره لهذه المائدة لمهارته في خدمة الموائد؛ لأنه تعود ذلك في قصور المروانيين في قرطبة وقد أتقن معالجة الأطعمة. وكان هذا الصقلبي قد استسلم لأبي حامد وأصبح يتفانى في تنفيذ أغراضه ولا يبالي بعواقبها.
نامعلوم صفحہ