مقدمة الطبعة الأولى
1 - الشيعة العلوية في المغرب والدولة الفاطمية
2 - القيروان والمنصورية
3 - المعز لدين الله وقائده جوهر
4 - أبو عبد الله الشيعي
5 - حمدون
6 - لمياء فتاة القيروان
7 - أم الأمراء
8 - المناجاة
9 - لمياء وأم الأمراء
نامعلوم صفحہ
10 - التصريح
11 - الخطبة
12 - الحيرة
13 - المعارضة
14 - أبو حامد
15 - التحميس
16 - عز الملك
17 - التحريض
18 - الرجوع
19 - صدفة غريبة
نامعلوم صفحہ
20 - الشهامة
21 - الفشل
22 - الحقيقة
23 - الضمير
24 - إفطار رمضان
25 - حديث الزفاف
26 - المناجاة
27 - المراوغة
28 - رأي لمياء
29 - الثعلب
نامعلوم صفحہ
30 - أبو حامد
31 - التدبير
32 - الاستعداد
33 - موكب الخليفة والسباق
34 - لمياء بين المواشط
35 - لمياء على الجواد
36 - رسول غريب
37 - المائدة
38 - قادم مفاجئ
39 - نص الرسالة
نامعلوم صفحہ
40 - حمدون
41 - لمياء وأم الأمراء
42 - الحسين
43 - بنت الإخشيد
44 - فج الأخيار
45 - الحسين ولمياء
46 - التعاهد
47 - أم الأمراء
48 - الكتاب
49 - الفسطاط
نامعلوم صفحہ
50 - الشيعة بمصر
51 - يعقوب بن كلس
52 - مسلم بن عبيد الله الشيعي
53 - الحيرة
54 - يعقوب وكافور
55 - الطبيب شالوم
56 - غلام الطبيب
57 - سرادق كافور
58 - أبو حامد وسالم
59 - الحديث
نامعلوم صفحہ
60 - الحلم
61 - في اليقظة
62 - الصلح
63 - بنت الإخشيد
64 - الطعام
65 - الجلسة
66 - جلسة أخرى
67 - الرأي
68 - الحرب
69 - الرسالة
نامعلوم صفحہ
70 - العلم
71 - النصر
72 - أبو حامد وسالم
مقدمة الطبعة الأولى
1 - الشيعة العلوية في المغرب والدولة الفاطمية
2 - القيروان والمنصورية
3 - المعز لدين الله وقائده جوهر
4 - أبو عبد الله الشيعي
5 - حمدون
6 - لمياء فتاة القيروان
نامعلوم صفحہ
7 - أم الأمراء
8 - المناجاة
9 - لمياء وأم الأمراء
10 - التصريح
11 - الخطبة
12 - الحيرة
13 - المعارضة
14 - أبو حامد
15 - التحميس
16 - عز الملك
نامعلوم صفحہ
17 - التحريض
18 - الرجوع
19 - صدفة غريبة
20 - الشهامة
21 - الفشل
22 - الحقيقة
23 - الضمير
24 - إفطار رمضان
25 - حديث الزفاف
26 - المناجاة
نامعلوم صفحہ
27 - المراوغة
28 - رأي لمياء
29 - الثعلب
30 - أبو حامد
31 - التدبير
32 - الاستعداد
33 - موكب الخليفة والسباق
34 - لمياء بين المواشط
35 - لمياء على الجواد
36 - رسول غريب
نامعلوم صفحہ
37 - المائدة
38 - قادم مفاجئ
39 - نص الرسالة
40 - حمدون
41 - لمياء وأم الأمراء
42 - الحسين
43 - بنت الإخشيد
44 - فج الأخيار
45 - الحسين ولمياء
46 - التعاهد
نامعلوم صفحہ
47 - أم الأمراء
48 - الكتاب
49 - الفسطاط
50 - الشيعة بمصر
51 - يعقوب بن كلس
52 - مسلم بن عبيد الله الشيعي
53 - الحيرة
54 - يعقوب وكافور
55 - الطبيب شالوم
56 - غلام الطبيب
نامعلوم صفحہ
57 - سرادق كافور
58 - أبو حامد وسالم
59 - الحديث
60 - الحلم
61 - في اليقظة
62 - الصلح
63 - بنت الإخشيد
64 - الطعام
65 - الجلسة
66 - جلسة أخرى
نامعلوم صفحہ
67 - الرأي
68 - الحرب
69 - الرسالة
70 - العلم
71 - النصر
72 - أبو حامد وسالم
فتاة القيروان
فتاة القيروان
تأليف
جرجي زيدان
نامعلوم صفحہ
مقدمة الطبعة الأولى
سنة 1912
هذه الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة روايات تاريخ الإسلام - غير رواية الانقلاب العثماني الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة التي قدمنا صدورها لغرض ذكرناه في مقدمتها. ونحن نزداد تحققا كل يوم أننا أحسنا في إصدار هذه الروايات؛ لما فيها من اللذة والفائدة، فإنها تشوق إلى مطالعة تاريخ الإسلام وتشرح أحوال الأعصر والأمم الاجتماعية والأدبية والسياسية وتمثلها تمثيلا لا تتسع له كتب التاريخ. ولذلك كان وضع الروايات التاريخية أكثر وعورة من تأليف التاريخ ولا سيما لمن يتوخى التحقيق وضبط الوقائع والمحافظة على الأصل التاريخي مع تطبيقه على حديث الغرام كما نفعل نحن.
ويؤيد موافقة هذا الأسلوب لحاجة القراء ما نراه من إقبال قراء العربية على مطالعة هذه الروايات وإقدام أدباء الأمم الأخرى على نقلها إلى ألسنتهم. فإنها قد نقلت حتى الآن إلى ثماني لغات، وهي: (1)
اللغة الفارسية: نشر فيها إلى الآن روايات فتاة غسان وأرمانوسة المصرية و17 رمضان وغادة كربلاء والحجاج بن يوسف وفتح الأندلس وأبو مسلم الخراساني. (2)
اللغة الهندية (الأوردية أو الهندستانية): ظهر فيها حتى الآن فتاة غسان وأرمانوسة المصرية وفتح الأندلس. (3)
لغة التاميل من اللغات الهندية الدورية في سنقابور وغيرها: نقلت إليها فتاة غسان والمملوك الشارد. (4)
اللغة التركية العثمانية: نقلت إليها رواية أبي مسلم الخراساني. وهي تنشر تباعا في جريدة إقدام. (5)
اللغة التركية الأذربيجانية في باكو وأذربيجان: نقلت إليها عذراء قريش. (6)
اللغة الروسية: نقلت إليها رواية المملوك الشارد (لم تطبع بعد). (7)
نامعلوم صفحہ
اللغة الفرنساوية: نقلت إليها رواية العباسة أخت الرشيد وهي تنشر في الفيغارو تباعا. وأسير المتمهدي لم تنشر بعد. (8)
اللغة الإنكليزية: نقلت إليها فتاة غسان وعذراء قريش وستنشران قريبا.
هذه هي اللغات التي عرفنا نقل بعض هذه الروايات إليها، وقد يوجد غيرها مما لم نطلع عليه.
ونحن باذلون الجهد في إتمام هذه السلسلة مع تحري الحقيقة والمحافظة على الوقائع التاريخية من حيث زمانها ومكانها ودمجها في القصة الغرامية على أسلوب يشوق للمطالعة. والغرض من هذه الروايات ليس تقرير الحقائق التاريخية ليرجع إليها في التحقيق وإنما المراد بها التشويق لمطالعة التاريخ وبسط الأحوال الاجتماعية والسياسية المحدقة بالوقائع مع تمثيل عادات الأمم وأخلاقهم وآدابهم وبالله التوفيق.
الفصل الأول
الشيعة العلوية في المغرب والدولة الفاطمية
قاسى الشيعة في زمن بني أمية في الشام عذابا شديدا من القتل والصلب. وكذلك في الدولة العباسية - ولا سيما في أيام المنصور والرشيد والمتوكل - فحملهم ذلك على الفرار إلى أطراف المملكة الإسلامية، فهاموا على وجوههم شرقا وغربا، وكان في من جاء منهم نحو المغرب إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى أخو محمد بن عبد الله الذي بايعه المنصور ثم نكث بيعته. فأتى إدريس مصر وهي يومئذ في حوزة العباسيين فاستخفى في مكان أتاه إليه بعض الشيعة سرا ومنهم صاحب البريد فحمله إلى المغرب في أيام الرشيد فتلقاه الشيعة هناك وبايعوه فأنشأ دولة في مراكش عرفت بالدولة الإدريسية من سنة 172-375ه على أن هؤلاء لم يسموا أنفسهم خلفاء.
أما ظهور الشيعة وتغلبهم وارتفاع شأنهم حقيقة فالفضل فيه للدولة الفاطمية نسبة إلى بنت النبي؛ لأن أصحابها ينتسبون إليها، وتسمى أيضا الدولة العبيدية نسبة إلى مؤسسها عبيد الله المهدي. وكان شأن الشيعة قد بدأ بالظهور في المشرق على يد بني بويه في أواسط القرن الرابع للهجرة.
ولما تغلب البويهيون على بغداد كانت الدولة الفاطمية قد اشتد ساعدها في المغرب وهمت بفتح مصر. وكان آل بويه يغالون في التشيع، ويعتقدون أن العباسيين قد غصبوا الخلافة من مستحقيها فأشار بعضهم على معز الدولة البويهي أن ينقل الخلافة إلى العبيديين أو إلى غيرهم من العلويين فاعترض عليه بعض خاصته قائلا: «ليس هذا برأي؛ فإنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة، لو أمرتهم بقتله لقتلوه مستحلين دمه ومتى أجلست بعض العلويين خليفة كان معك من تعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته فلو أمرهم بقتلك لقتلوك.» فرجع معز الدولة عن عزمه.
على أن ظهور الشيعة في الشرق هون على الدولة العبيدية فتح مصر والانتقال إليها، وكانت قصبتها أولا المهدية بإفريقية وخلفاؤها ينتسبون إلى الحسين بن علي، وللمؤرخين في انتسابهم إليه أقوال متناقضة، فالذين يتعصبون للعباسيين ينكرون ذلك عليهم. ويغلب في اعتقادنا صحة انتسابهم إليه، وأن السبب في وقوع الشبهة طعن العباسيين فيه؛ تصغيرا لشأنهم .
نامعلوم صفحہ
والمصريون كانوا يحبون عليا من صدر الإسلام، وكانوا من حزبه يوم مقتل عثمان ولكن قلما كان لهم شأن في الشيعة العلوية؛ لأن العلويين استنصروا أولا أهل العراق وفارس. فلما قامت الدولة العباسية وتأثرهم المنصور بالقتل والحبس وقتل محمد بن عبد الله الحسني وبعض أهله من بني حسن وفر سائر العلويين من وجه الدولة العباسية كان في جملتهم علي بن محمد بن عبد الله فجاء مصر بأمر دعوته بعض رجال الشيعة لكنه ما لبث أن حمل إلى المنصور واختفى.
وكان حال الشيعة العلوية بمصر يتقلب بين الشدة والرخاء بتقلب أحوال الخلفاء في بغداد، فإن تولى خليفة يكره العلويين ضيق على الشيعة واضطهدهم والعكس بالعكس. فلما تولى المتوكل واضطهد الشيعة العلوية كتب إلى عامله بمصر بإخراج آل أبي طالب إلى العراق فأخرجهم سنة 236ه، ولما قدموا العراق أرسلوهم إلى المدينة واستتر من بقي في مصر على رأي العلوية؛ لأن عمال المتوكل كانوا يبالغون في إظهار الكره للشيعة؛ تزلفا من الخليفة.
يحكى أن رجلا من الجند اقترف ذنبا أوجب جلده فأمر يزيد بن عبد الله عامل مصر يومئذ بجلده، فأقسم عليه بحق الحسن والحسين إلا عفا عنه فزاده ثلاثين ضربة. ورفع صاحب البريد إلى المتوكل ذلك الخبر فورد كتابه إلى العامل أن يضرب الجندي المذكور مائة سوط فضربه.
وتتبع يزيد المشار إليه آثار العلويين فعلم برجل منهم له دعاة وأنصار، فقبض عليه وأرسله إلى العراق مع أهله وضرب الذين بايعوه.
ولما تولى المنتصر بن المتوكل سنة 247ه كتب إلى عامله بمصر أن لا يضمن علوي ضيعة ولا يركب فرسا ولا يسافر من الفسطاط إلى طرف من أطراف مصر، وأن يمنعوهم من اتخاذ العبيد إلا العبد الواحد. وإذا كان بينهم وبين أحد الناس خصومة قبل قول خصمهم فيهم بغير أن يطالب فقاسى العلويون عذابا شديدا بسبب ذلك.
ولما استقل أحمد بن طولون بإمارة مصر سنة 254ه اضطهد الشيعة؛ لأنه تركي، ولأنه على رأي الخليفة العباسي فاقتص آثار العلويين وحاربهم مرارا. حتى إذا ضعف أمر بنى طولون بمصر واختلت أحوال الدولة العباسية في بغداد وتغلب آل بويه عليها في القرن الرابع للهجرة أخذ حزب الشيعة ينتعش ويتقوى فلما جاءهم جند المعز لدين الله الفاطمي سنة 358ه بقيادة جوهر الصقلي كانت الأذهان متأهبة لقبول تلك الدعوة ففتح جوهر مصر على أهون سبيل.
الفصل الثاني
القيروان والمنصورية
القيروان من المدن الإسلامية التي اختطها العرب. بعد الفتح كالبصرة والكوفة والفسطاط. اختطها عقبة بن نافع الفهري سنة 60 للهجرة بما يقرب من تونس وهو الذي افتتح أكثر المغرب. وكانت القيروان في زمن روايتنا هذه «في أواسط القرن الرابع للهجرة» قصبة بلاد المغرب، وقد تقاطر الناس من أنحاء العالم لتعميرها فقطنها العرب من قريش وسائر البطون من مصر وربيعة وقحطان وأصناف من العجم من أهل خراسان وأصناف من البربر والروم وأشباه ذلك. وكان شربهم من ماء المطر ينصب من الأودية إلى برك عظام يقال لها المؤاجل فمنها شرب السقاة ولهم واد يسمى وادي السراويل في قبلة المدينة.
وكان بنو الأغلب لما نزلوها في القرن الثالث قد ابتنوا على ميلين منها قصورا لأنفسهم ثم ابتنوا محلة على ثمانية أميال منها سموها رقادة. حتى إذا نزلها الفاطميون في أول القرن الرابع للهجرة ابتنوا لأنفسهم حصنا مستديرا بالقرب منها سموه صبرة ويسمى أيضا المنصورية جعلوه مستقرا لهم ولأهلهم. كما فعل المنصور ببناء بغداد قبل ذلك بقرنين، فالمنصورية بلدة مستديرة الشكل قرب القيروان بناها إسماعيل بن القاسم بن عبد الله المهدى سنة 337ه واستوطنها وجعل قصره في وسطها والماء يجري فيها وأنشأ بها أسواقا جميلة وجامعا وعرض سورها 21 ذراعا وهي منفصلة عن القيروان بعرض الطريق. ومن أبوابها باب الفتوح وباب زويلة وباب وادي القصارين وكلها مصفحة بالحديد.
نامعلوم صفحہ
1
وأول الخلفاء الفاطميين عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق، من نسل الحسين بن فاطمة الزهراء. قام له بالدعوة رجل شيعي اسمه أبو عبد الله الشيعي بمساعدة قبائل البربر وخصوصا كتامة وصنهاجة كما قام أبو مسلم الخراساني في المشرق بدعوة العباسيين بمساعدة الخراسانيين. ولما استقر لعبيد الله المهدي الملك قتل أبا عبد الله الشيعي كما قتل المنصور أبا مسلم.
2
وكان عبيد الله في أول الدعوة يقيم في المهدية على ساحل تونس، ثم نقل إلى القيروان وتوفي سنة 322ه، فخلفه ابنه القاسم ولقب القائم بأمر الله وتوفي سنة 334ه، فخلفه ابنه المنصور أبو طاهر وتوفي 341ه فخلفه المعز لدين الله وعلى عهده فتحت مصر على يد قائده جوهر الصقلي. وفي أيامهما جرت حوادث هذه الرواية.
الفصل الثالث
المعز لدين الله وقائده جوهر
خرج المعز في ليلة مقمرة من ليالي سنة 357ه إلى حديقة قصره في المنصورية قرب القيروان وفى الحديقة بركة واسعة يصب فيها الماء من نبع جر ماءه المعز إليها من جبل بقرب المنصورية، وفرقه بأنابيب الرصاص إلى قصور المدينة ومسجدها وأسواقها، وينصرف ما بقي من ذلك الماء إلى القيروان - وقد علمت أن المنصورية خاصة بالخليفة وأهله وحاشيته وأعوانه لا يشاركهم فيها أحد. وقد أحاطوها بسور ضخم عال فهي أشبه بالحصون منها بالمدن. وهو هناك في مأمن من غدر الغادرين لأنها محاطة بسور منيع أبوابه مصفحة بالحديد تقفل وتفتح عند الحاجة.
خرج المعز في تلك الليلة وهو مطمئن الخاطر لا يخاف غدرا، حتى إذا توغل في الحديقة ولا شيء فيها من زخارف المدينة أشرف على تلك البركة وليست هي مما يستجلب النظر أو يستلفت الانتباه لكن لها حديثا يطرب له المعز ولا يطرب له سواه إلا قائده جوهر البطل الصقلي. وكان قد أسكنه في مدينته واختصه بقصر من قصورها وبالغ في إكرامه ورفع منزلته.
وصل البركة والقمر قد تكبد السماء فأسرع البستاني إلى مقعد معد لجلوس الخليفة إذا نزل في تلك الساعة وأهل القصر نيام حتى الخدم. وإنما أرقه أمر شغل خاطره وأخذ بمجامع قلبه لم يكاشف به أحدا من أعوانه؛ لأنه كان حريصا على سره لا يطلع عليه أحدا إلا إذا نضج وآن إخراجه إلى حيز الفعل. شأن رجال العمل وأهل الحزم. على أنه ضاق ذرعا في تلك الليلة عن الاحتفاظ بذلك السر فخطر له أن يكاشف به قائده جوهرا.
وكان المعز عالي الهمة عظيم الهيبة واسع المطامع أدرك الأربعين من عمره وقد لبس في تلك الليلة رداء أبيض بسيطا والتف بالعباءة وجعل على رأسه عمامة صغيرة. فلما استقر به الجلوس صفق ونادى «خفيف» وهو غلام صقلي كان قد اختصه بخدمته فحضر، فقال: «ادع قائدنا جوهرا.»
نامعلوم صفحہ
فمضى خفيف وما عتم أن عاد ومعه جوهر. وهو كهل في السادسة والخمسين من عمره وقد وخطه الشيب، وكان طويل القامة ثابت الجأش عظيم الهيبة. وكان لما جاءه رسول المعز قد ذهب إلى فراشه فنهض وارتدى ثيابه وبادر إلى ملاقاة مولاه. فلما شعر المعز بقدومه تحفز للنهوض ورحب به وبش له فخجل جوهر من ذلك الإكرام فأكب على يدي الخليفة فقبلهما وقبل ركبتيه وأوشك أن يقبل قدميه فأنهضه المعز ودعاه للجلوس بجانبه فجلس متأدبا فبادره المعز قائلا: «مرحبا بقائدنا الحازم وحبيبنا الباسل.»
فتأدب جوهر وقال: «إني عبد مولانا أمير المؤمنين ضارب بسيفه وأفديه بروحي.»
قال: «بل أنت سيفنا المسلول وحامى دولتنا وإني لا أجلس إلى هذه البركة وأرى السمك يسبح فيها إلا ذكرت بلاءك في سبيل الحق. إن هذا السمك يشهد بما لك من الأفضال على هذه الدولة أليست هذه الأسماك من نسل ما حملته إلينا من سمك البحر المحيط في القلل يوم جردت وفتحت أفريقية وأخضعت قبائلها. لا أنسى يوم جئتنا بتلك القلل وفيها السمك من ذلك البحر العظيم إشارة إلى ما أدركته من تلك الفتوح العظيمة التي لم يسبق إليها سواك فلا غرو إذا اختصصتك بصداقتي وفضلتك على سائر بطانتي وأهلي ...»
فخجل جوهر من هذا الإطراء وقال: «العفو يا مولاي إني لم أفعل شيئا إلا باسمك. والله إنما نصرني بك؛ لأنك سلالة أحق الناس بالخلافة ابن عم الرسول
صلى الله عليه وسلم
وصهره، أنت ابن فاطمة الزهراء فكيف لا ينصرك الله ولو قام بهذه الدعوة غلام لأفلح؛ لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه.»
فأسكته المعز قائلا: «إن الحق لا يعلو دائما، وكم ظل أجدادي العلويون يجاهدون وقد ذاقوا أنواع العذاب ممن استأثر بالسيادة دونهم. ولو أتيح لهم سيف مثل سيفك لغلبوا، ألم تفتح هذه البلاد من هنا إلى البحر المحيط وأخضعت أهلها - بارك الله فيك - وهذا ما لا ريب فيه فإذا رفعنا منزلتك فقد أعطيناك حقك.» وسكت وقد بدا الاهتمام في وجهه وجوهر ينتظر ما يبدو منه لاعتقاده أنه لم يدعه في تلك الساعة إلا لأمر هام. فاعتدل في مجلسه وتوجه بكليته نحوه كأنه يستفهم عما يريده.
أما المعز فمد يده واستخرج من تحت العباءة قضيبا من عود طوله شبر ونصف مكسو بالذهب. فلما رآه جوهر علم أنه قضيب الملك فتأدب احتراما له فابتدره المعز قائلا: «أليس هذا قضيب الملك يا جوهر؟»
قال: «نعم يا مولاي إنه قضيب الحق وصاحبه صاحب الخلافة الحقة.»
قال: «هل يكون في الدنيا خليفتان على حق؟»
نامعلوم صفحہ