أما هو فاستغرب خطاب الرجل بهذه الدالة على لمياء مما لا يكون إلا بين الأقرباء فتبادر إلى ذهنه أنه من أقاربها الأقربين فخف غضبه إكراما لها وسألها قائلا: «من هو هذا ألعله من بعض أهلك؟»
قالت: «نعم يا سيدي إنه من أبناء عمي ويظهر أنهم رأوني ماشية مع رجل لا يعرفونه فظنوا علي بأسا فجاء أحدهم لنجدتي ...»
فوجه الحسين خطابه إلى سالم وقال: «لا تخف يا صاحبي إني صديق محب وأنا في خدمة ابنة عمك حتى أوصلها إلى مأمنها.»
فلم يرض سالم بهذا الجواب؛ لأن لمياء متنكرة بلباس الصقالبة فكيف تأتى لهذا الرجل أن يعرفها ويماشيها على انفراد؟ فسبق إلى ذهنه سوء الظن فقال: «من أنت يا صاحب ألعلك متنكر مثلها ومن أخبرك أنها فتاة وأنها لمياء؟»
فاستنكف الحسين من لهجته في خطابه وهم أن يخبره عن حقيقة حاله لكنه فضل الكتمان؛ حفظا لكرامة لمياء فقال: «أنا أيضا في خدمة قصر أمير المؤمنين وعرفت بخروجها بمهمة إلى والدها الأمير فجئت لمرافقتها في ذهابها وانتظرت عودتها وها أنا معها إلى مأمنها - كما قلت لك.»
فاستحسنت لمياء منه هذا الأسلوب وتوقعت أن ينتهي الجدال هنا؛ لكنها ما لبثت أن رأت سالما ترجل عن جواده وهو لا يزال ملثما ووقف بين لمياء والحسين وولى وجهه نحوها وقال لها: «لا حاجة إلى مماشاة الخدم إني أسير في خدمتك ... ألم أقل لك أني مزمع على إيصالك فأبيت؟»
فتجلدت وهي تخاف أن يغضب الحسين لهذه الجسارة وقالت: «لم أرض أن يأتي منكم أحد معي؛ لأني على يقين من وجود هذا الرفيق.» قالت ذلك ومشت فمشى سالم بجانبها بينها وبين الحسين وهو يقول «لماذا لم تقولي لي عنه من هناك.»
فاستثقلت ذلك الاعتراض وتحيرت في أمرها وقالت: «لم أجد حاجة إلى ذلك.»
قال: «كيف؟ إنك بنت الأمير حمدون صاحب سجلماسة لا ينبغي أن يستهان بك وأن يكون رفيقك في هذا الطريق المظلم أحد الغلمان ... قولي له أن ينصرف وأنا أسير معك.»
فارتبكت في أمرها وخافت أن يغضب الحسين ويجر الجدال إلى القتال أو إلى كشف أمر سالم. وصارت ترتعد من التأثر وهي لا تدري ماذا تعمل، فأجابه الحسين برزانة ولطف قائلا: «إن مسيرك معها لا يخلو من الخطر عليك يا سيدي؛ لأن حراس المدينة يستغشونك وربما آذوك أو قبضوا عليك.»
نامعلوم صفحہ