فأشارت بأصبعها على شفتها أن يكتم أمرها فضمها إلى صدره كأنها ابنته - وهو يحبها كما يحب الحسين - لكنه تذكر الحسين فانقبضت نفسه وكادت الدموع تترقرق في عينيه، فقالت: «جئتك يا سيدي ببشرى مزدوجة.»
قال: «ما هي ... قولي.»
قالت: «الأولى أن سيدي الحسين في أمان ولو عرفني عندما حملني رسالته هذه إليك لكلفني بإلقاء التحية، ولكني اضطررت للتستر. والثانية أن عدوكم الذي يحاربكم وتسمعون صياحه ونداءه كالقصبة المرصوصة أو كالطبل، صوته قوي وقلبه فارغ.»
قال: «ماذا أرى أنت لمياء جئت بهاتين البشارتين وأهمهما وجود الحسين حيا بعد أن يئست من وجوده، ولكن أين هو، وكيف عرفت ذلك؟ أخبريني.»
فجلست وقصت عليه ما رأته وقاسته منذ برحت القيروان إلى أن أخذت تلك الرسالة من الحسين ودفعتها إليه فقرأها وقال: «سأفعل ذلك حبا وكرامة، وأين ذلك الخائن وعمه؟» فتنهدت وقالت: «رأيتهما مع الجند يحرضانهم على الحرب وسينالان الجزاء ... كيف فارقت مولانا المعز وأم الأمراء؟»
فهز رأسه هز الإعجاب وقال: «إن مولانا المعز - أعزه الله - وأتم نصره من معجزات الزمان ...»
قالت: «ومن أكبر أسباب سعادته أنك قائده.»
قال: «كلا يا لمياء إني لو سفكت دمي عند قدميه لا أكافئه على صنيعه ... أنت تعلمين منزلتي عنده ولكنني لو أخبرتك ما فعله يوم خروجي من القيروان بهذه الحملة لرأيت عجبا؛ إنه أمر بإفراغ الذهب في هيئة الأرحية وأن تحمل معي ظاهرة. وأمر أولاده وإخوته الأمراء وولي العهد وسائر أهل الدولة أن يمشوا في خدمتي وأنا راكب. وكتب إلى سائر عماله يأمرهم إذا أنا قدمت أن يترجلوا مشاة. فكنت حيثما سرت في طريقي من القيروان كل من مررت به فعل ذلك. فلما أتيت برقة عظم على صاحبها أن يفعل ذلك فافتدى ترجله ومشيه في ركابي بخمسين ألف دينار ذهبا فأبيت إلا أن يفعل ما أمر به أمير المؤمنين ففعل
2
أمثل هذا الخليفة يكثر فيه الافتداء بالروح؟»
نامعلوم صفحہ