فأجابه: «في المندرة.»
ثم أقبل يعقوب على المندرة فوقفت له لمياء فحياها بلطف وقال: «مرحبا بالضيف الكريم، تفضل اجلس.» وجلس على كرسي بين يديها وهو ينظر إلى نظافة ثوبها وهي تنظر إلى سحنته وتتبين ملامحه فرأته على أبواب الكهولة وقد لبس الجبة والعمامة الصغيرة وأرخى سالفيه أمام أذنيه.
ويظهر من شكل أنفه وحاجبيه أنه يهودي ولكن الشرر يكاد يتطاير من عينيه لفرط ذكائه وحدة ذهنه.
فأول شيء تبادر إلى ذهنها أن تطلب الخلوة به لكنه سبقها إلى الكلام: «من أين الضيف؟»
قالت من بلدة بعيدة: «هل تأذن بخلوة؟»
قال: «نحن في خلوة.»
قالت: «بل أريد خلوة أبعد عن أبصار الناس ومسامعهم.»
فعرف من لحن صوتها أنها من بلاد المغرب وحدثته نفسه لأول وهلة أن يكون لمجيء هذا الصقلبي علاقة بكتابه إلى المعز. وكان ينتظر ورود الجواب عليه كل يوم. فلما طلبت الخلوة نهض ومشى أمامها في حديقة كبيرة إلى مصطبة صعد عليها إلى بيت دخلا غرفة منفردة منه وأوصى يعقوب أن لا يقرب أحد من بابه.
وفى تلك الغرفة بساط من السجاد ومساند ومقاعد. فأشار يعقوب إلى ضيفه أن يقعد على الوسادة. وجلس هو بين يديه وعيناه شائعتان ؛ ليرى ما وراء هذه الخلوة، فقالت لمياء: «إني رسول إليك من الإمام المعز لدين الله.»
فلما سمع يعقوب اسم الخلفية تأدب في مقعده مبالغة في الاحترام وقال: «مرحبا بك يا سيدي ... كيف أمير المؤمنين كيف صحته.»
نامعلوم صفحہ