فرفعت بصرها إليه وقد ذبلت عيناها وقالت: «عرفت شهامة الحسين من قبل على غير تعمد، عرفته عفوا، ولا أنسى تلك الأريحة التي قيدني بها، لا أنسى قولك تلك الليلة وقد أدركنا ذلك الرجل الملثم وأوشك أن يقع فريسة - فأنقذته وطلبت كتمان أمره ...»
فقطع كلامها قائلا: «لا أزال أريد كتمان أمره دعينا منه، إنما أحب أن أعلم: هل للحسين مكان عندك؟» قال ذلك وعيناه تبرقان فرآها ساكنة ولحظ دمعتين انحدرتا على خديها خلسة فأحس بنار اتقدت في بدنه وهب جسمه كأنك صببت عليه ماء غاليا. فندم على سؤاله مخافة أن يكون في غير أوانه وهي في حال الحزن على أبيها فابتدرها قائلا: «أظنني تعجلت في الحديث وأنت في شاغل من أمر والدك - رحمه الله - فاصفحي عن جسارتي ...»
فمسحت عينيها بمنديل أخرجته من جيبها، وقالت: «إن حزني على والدي شديد لكن خطابك تعزية كبيرة لقلبي الكسير.» وتنهدت والتفتت نحو الباب كأنها تحاذر أن يدخل أحد عليهما.
فقال الحسين: «هل في الدنيا أرق عاطفة وأطيب قلبا من هذه الملكة إني لا أظنها تركتنا وحدنا إلا عنوة فلا ينبغي أن نضيع هذه الفرصة هل أعددت للحسين مكانا في قلبك؟»
الفصل السادس والأربعون
التعاهد
فتنهدت ورفعت بصرها إليه وهي تهم بالكلام فلم تستطعه فأطرقت وتشاغلت بمنديلها تطويه بين أناملها وقد تصاعد الدم إلى وجنتيها. فلحظ تلبكها فأراد مداعبتها فقال: «لم يكن عهدي بلمياء الفارسة الشجاعة أنها ترتبك في حديث مثل هذا، ولكنني أقرأ الجواب في عينيك، لم أكن أجهل نظرك إلي من قبل ونظرك إلي اليوم، كنت أشعر أنك تساقين إلى حبي كرها، لعل قلبك كان مشغولا بسواي ... لا أدري. أما الآن فإني أقرأ شيئا آخر في عينيك. إنما أطلب إليك أن تقولي كلمة ونحن منفردان هنا بإذن أم الأمراء وهي لم تخل لنا المكان إلا باختيارها. قولي هل تحبينني؟ وإنما أسألك ذلك؛ لأننا سنفترق وربما طال فراقنا، فإذا سمعت منك الكلمة التي أريدها كانت لي ذخرا في أثناء الفراق أتعلل بها ريثما نلتقي.»
فتنهدت ثانية وتجلدت وقالت: «إنك تقول عني وتعبر عن أفكاري، أما لمياء الفارسة الشجاعة - كما تقول - إنما تكون كذلك في حومة الوغى وأما في هذا الموقف فإني أسيرة مسكينة. سألتني سؤالا لا أجيبك عنه إلا بعد أن تجيبني على سؤالي.»
فاستبشر وقال: «سمعا وطاعة إني رهين إشارتك يا حبيبتي.» قال ذلك وقد أخذ منه الهيام مأخذا عظيما.
قالت: «إني أسألك هل تعاهدني على التفاني في مصلحة المعز لدين الله حتى ننتقم له أو نموت؟»
نامعلوم صفحہ