فلم تزد لمياء على الإطراق وقد ترقرقت الدموع في عينيها وتذكرت أن الحسين يعرف سالما من تلك الليلة، أما أم الأمراء فقالت: «لقد أبطأنا في الإذن للحسين في الدخول.» والتفتت إلى الصقلبي وقالت: «يدخل.»
وبعد لحظة دخل الحسين وهو لا يزال بثياب الركوب كما كان ساعة وصوله، دخل وهو لم يكن يتوقع أن يرى لمياء هناك وإنما ظن أم الأمراء تحتاج إليه في خدمة وكثيرا ما كانت تدعوه وتكلفه ببعض المهام، فلما دخل ووقع بصره على لمياء أجفل كما أجفلت هي ووقف فألقى التحية على أم الأمراء، ثم حيا لمياء عن بعد بإحناء الرأس. فقالت أم الأمراء: «لا يلذ لي أن أراكما بعيدين وأنا قد بذلت الجهد في جمعكما؛ فإنك ابن قائدنا، وهذه لمياء ابنتي. ومع ذلك فقد جعلت نفسي والدتك وقمت بتأدية المهر عنك.»
قالت ذلك بلطف ومداعبة. فتلعثم لسان الحسين عن الجواب ولكن الامتنان بان في ملامحه.
وتقدم نحو لمياء وهو يقول: «إن لمياء ذات فضل كبير علي؛ لأنها أنقذت والدي من القتل فلا أدرى بم أكافئها.»
فقالت لمياء: «إني لم أفعل شيئا يستحق الذكر، وإذا كنت قد فعلت شيئا فهو في سبيل خدمة مولاي أمير المؤمنين الذي نفديه بأرواحنا، ولا أراك أقل تفانيا في سبيل مصلحته مني ...»
فأشارت أم الأمراء إلى الحسين أن يقعد على وسادة أمام الوسادة التي كانت لمياء جالسة عليها، وأظهرت أنها ذاهبة في أمر ذي شأن خطر لها فجأة، وهي إنما فعلت ذلك رغبة في انفراد الحبيبين؛ لأنها وجدت نفسها ثقيلة بينهما. وكانت من أرق الناس إحساسا وأكثرهم تعقلا لا تفوتها ملاحظة. فهل شعر الحبيبان أنها خرجت عنوة مراعاة لإحساسهما؟ هب أنهما أدركا ذلك لكن الحب يشغل المرء عن سواه أو أن صاحبه يرى ما يمر به من الأحوال مغشاه كأنه ينظر إليها من وراء حجاب، هو الحب، وقد يأتي في سبيل حبه أعمالا يحسبها خافية على الناس وهم يرونها بأجلى مما يراها هو، ولكنهم لا يقولون فيحسبهم غافلين.
جلس الحسين وهو ينظر إلى لمياء ، وهي مطرقة حياء وقد مر في خاطرها تاريخ حياتها منذ عرفت سالما وكيف علقت به وتعشقته حتى أبت أن تجيب دعوة سواه وتذكرت الليلة التي لقيت فيها حسينا لأول مرة وما أبداه من الشهامة في معاملتها وكيف انتهت ليلتهم بفشل سالم، وخطر لها حالا ما قاله الحسين عند وداعها من كتمان أمر سالم وأنه عرفه وعفا عنه.
وكيف أنها رضيت بالحسين أولا طوعا لأمر سالم ثم أصبح هذا أعدى أعدائها، فأحست بانعطاف إلى الحسين وأساس انعطافها الإعجاب بشهامته ومروءته.
مر ذلك كله في خاطرها سريعا والحسين جالس بين يديها ويهم أن يخاطبها ولا يعرف بماذا يبدأ، ثم خطر له أن يعزيها على والدها ويشجعها.
فقال: «لقد ساءني يا لمياء ما أصاب أباك الأمير - رحمه الله - ولكننا سنثأر له من ذلك الخائن، واعلمي أني غير راجع حتى أذيقه حتفه.»
نامعلوم صفحہ