وإن كان الضيف يستحيي من الأكل وحده أستحب لصاحب المنزل أن يأكل معه. وإن كان صائمًا وشق عليه الفطر فليدع له من يأكل معه. ويكره الأكل بحضرة من ينظر إلى الطعام وهو يشتهيه، ولو كان قطًا أو كلبًا، لأنه يقال إنه ينفصل من العين سموم تركب الطعام لا دواء لها إلا بشيء يطعمه من ذلك الطعام للناظر إليه.
الأكل في السوق
ويكره الأكل في السوق لقوله ﵇: " الأكل في السوق دناءة ". وقيل هو حرام مطلقًا، وقيل أن تحرم شهادة حرم، وإلا فلا؛ لأنه إذا تحمل ثم أكل في السوق أنحط مع السفل ولم تقبل شهادته. ولا بأس بالشرب في السوق لقصر زمنه.
أدعية لدفع الضرر
وفي الحلية عن كعب الأحبار قال: من خشي أن يتخم من طعام أو شراب فليقرأ: (شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لا إلهَ إلاَّ هُوَ) الآية، فإنه لم يتخم إن شاء الله تعالى. وفي كتاب الدعاء لأبن أبي الدنيا عن أبن مسعود ﵁: من قال حين يوضع طعامه: بسم الله خير الأسماء في الأرض وفي السماء، لا يضر مع أسمه داء، أجعل لي فيه بركة وعافية وشفاء، فيضره ذلك الطعام ما كان. وذكر الغزالي في الإحياء فيما يستحب بعد الطعام ويأمن من ضرره، أن يقرأ بعده سورتي قل هو الله أحد، ولإيلاف قريش، وكذا ذكره السهروردي في عوارف المعارف. وقال: ويقول: الحمد لله على كل حال، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنزل البركات، اللهم أجعله عونًا على طاعتك، ولا تجعله عونًا على معصيتك. فإنه إذا قال ذلك على الطعام أو في أوله أذهب الله عنده الداء المغير لمنهاج القلب، لا سيما إذا قال: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، وما رزقتنا بما نحب فأجعله عونًا لنا على ما تحب، وما زويت عنا مما نحب فأجعله مرغبًا لنا فيما تحب انتهى.
يؤكل الطعام لثلاث
وقال أبن مفلح في طبقات الحنابلة في ترجمة علي بن محمد المصري قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يؤكل الطعام لثلاث: مع الإخوان بالصدور، ومع الفقراء بالإيثار، ومع أبناء الدنيا بالمروءة. انتهى.
هل يملك الضيف الطعام
وهل يملك الضيف ما يأكله؟ وجهان: قال القفال من الشافعية: لا يملكه؛ وهو مذهب أبي حنيفة، بل هو إتلاف بإذن المالك، وللمالك أن يرجع ما لم يؤكل. وقال إمام الحرمين: إنه الصحيح. وقال الجمهور: أنه يملك. وصححه الرافعي في كتاب الهبة. قال أبن العماد: وتظهر فائدة الخلاف، فيما لو أكل الضيف تمرًا وطرح نواه فنبت، فلمن يكون ثمره؟ وفيما لو رجع فيه صاحب الطعام قبل أن يلتقم. انتهى. قال أبن قاضي شهبة: وحيث قلنا بأنه يملك، فالمراد به أنه ملك أن ينتفع بنفسه كالعارية، لا أنه ملك العين كما توهمه بعضهم انتهى. وقد قال الرافعي وتبعه النووي في الأيمان: لو حلف لا يهب أو لا يتصدق، لا يحنث بالضيافة لأنه لا تمليك فيها انتهى. وقال في المعلمات: قيل يملكه بالوضع بين يديه، وقيل بالأخذ باليد، وقيل بالوضع في الفم، وقيل بالازدراد. يتعين حصول الملك قبله، رجح منها الأول وفيه نظر؛ فإن الأذرعي قال: أنه أضعف الأوجه، بل هو غلط. ولم لأره في طريقة العراق، ولا يجوز حمله على إطلاقه في كل ما يوضع قل أو جل انتهى. وقال في المهمات: والراجح من الوجوه المقدمة على الملك أن يحصل بالوضع في الفم انتهى. وقال صاحب الذخائر: وفائدة الخلاف في ذلك إن قلنا يملك بالوضع بين يديه أو بالأخذ كان للمقدم إليهم التصرف فيه فإن كان المقدم إليه واحدًا كان له أن يطعم من شاء على ما جرت بع عادة الصوفية في تناولهم اللقم لمن يقف على رؤوسهم ويخدمهم وأختاره أبو حامد الاسفرائيني والقاضي أبو الطيب، وعلى هذا لهم بيعه لأنه ملكهم. وحكى الشيخ أبو حامد عن جمهور الأصحاب، أنه ليس له أن يعطيه لغيره، كما لا يعير المستعير، وإن كانوا جماعة. وقلنا يملكون بالتقديم، كانوا في حكم المسافرين يخلطون الأزواد ثم يأكلون، لا يجوز لواحد منهم أن يتناول أحدًا شيئًا إلا برضى الباقين، وإن قلنا يملك بالوضع في الفم أو بالازدراد فليس له أن يعطيه لغيره قبل ذلك انتهى. ووجد عند البرماوي من الشافعية لنا: ضيافة لا يملك فيها الطعام على الأصح، وذلك في لحم الأضحية إذا قدم للأضياف، وضيافة تملك بالتقديم قطعًا، وهي ضيافة أهل الذمة المشروطة عليهم، فليملكها المقدمة إليه بالتصرف كما ذكره الرافعي انتهى.
1 / 16