وحكى القرطبي في تفسيره أن أعرابيًا قال لسليمان بن عبد الملك وقد قال له أزل الشعرة من لقمتك وهو يأكل من طعام عبد الملك شعر:
وللموت خير من يسارة باخل ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
آداب الشرب
ويكره التنفس في الإناء، ونفخ الطعام ليبرد، وإن كان الطعام حارًا فليصبر حتى يبرد. وإذا أتى بكوز ليشرب منه فلينظر إلى طرفه قبل الشرب، فقد يكون فيه شيء يؤذيه. ويستحب تنحية رأسه عن الكوز عند إرادة التنفس، ولا ينفخ في الماء، ولا يتنفس داخل الكوز، وإذا شرب شرب قليلًا مصًا مصًا لقوله ﷺ: " مصّوا الماء مصًّا ولا تغبوه غبًا فإن الكُبَاد من الغبّ " والكُباد بضم الكاف وفتح الباء الموحدة قيل وجع الكبد. على أن بعضهم قال أتفق سبعون حكيمًا على أن كثرة النوم من شرب الماء. وقال الدميري والشرب بثلاثة أنفاس يتحصل له فيها عشر حسنات: تسمية الله تعالى في الابتداء، وحمده في الآخر ثلاثًا، وإبانة القدح عن فيه مرتين، فتنفسه مرتين امتثالًا للأمر، وإذا شرب يناوله الأيمن فالأيمن، ويكون الساقي آخرهم شربًا انتهى.
تصغير اللقمة
وقال النووي في فتاويه: هل صح أن النبي ﷺ أمر بتصغير اللقمة في الأكل وتدقيق المضغ، أو يستحب ذلك؟ فأجاب: لم يصح في ذلك شيء، وهو مستحب إذا كان فيه رفق بجلسائه، أو قصد بذلك تعليمهم الأدب، أو كان في الطعام قلة، وكان ضيفًا، أو كان شبعان وعرف أنه رفع يده يرفع غيره يده ممن له حاجة في الأكل أو نحو ذلك من المقاصد الصالحة انتهى.
الأكل بالأصابع
وقال العبادي إذا كان الطعام سمحًا أستحب الأكل بجميع الأصابع، وإن كان جامدًا أستحب بثلاثة. قال الشافعي ﵁: والأكل بإصبع واحدة من المقت، وبإصبعين من الكبر، وبثلاث أصابع من السنة، وبأربع وخمس من الشره. وفي الأوسط للطبراني عن كعب بن عجرة قال: " رأيت رسول الله ﷺ يأكل بأصابعه الثلاث قبل أن يمسحها: الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام ".قال الشيخ سراج الدين بن الملقن في شرح الترمذي: كأن السر فيه أن الوسطى أكثر تلوثًا لأنها أطول، فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها، ولأنها لطولها أول ما تنزل في الطعام انتهى. وفي مسلم من حديث كعب بن عجرة قال: " رأيت النبي ﷺ يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها ". قال الحافظ أبو الفضل بن حجر: فيحتمل هذا الحديث أن يكون أطلق على الأصابع اليد، ويحتمل وهو الأولى أن يكون المراد باليد الكف كلها، فيشمل الحكم من أكل بكفه كلها، أو بأصابعه فقط، أو ببعضها. ويؤخذ منه أن الأكل بثلاث أصابع هو السنة. قال عياض والأكل بأكثر منها من الشره وسوء الأدب كتكبير اللقمة، ولأنه غير مضطر إلى ذلك لجمع الطعام اللقمة وإمساكها من جهاتها الثلاث، فإن أضطر إلى ذلك لخفة الطعام وعدم تلقفه بالثلاث عمد الرابعة أو الخامسة. وقد أخرج سعيد بن منصور من مراسيل أبن شهاب: " أن النبي ﷺ كان إذا أكل أكل بخمس " فيجمع بينه وبين حديث كعب، باختلاف الحال انتهى.
من آداب الطعام أيضًا
وينبغي للآكل أن يتوسط في أكله، فلا يقصر فيه حتى ينسب إلى التحشم، ولا يتابع فيه حتى ينسب إلى الشره والجوع والبخل، وأن لا يقضم الخبز بفمه ثم يضعه في الطعام، فإنه يورث قنافة، من حيث إنه قد يكون فمه أبخر، ولأن البصاق ينفصل على اللقمة من الفم إلى الطعام. ويسمى هذا النوع في كتاب " معايب الآكل " بالمهندس، من حيث إنه يصلح اللقمة ويهندسها ثم يضعها في الطعام وهو مذموم. وأن يضم شفتيه عند الأكل لمعنيين، أحدهما: أنه يأمن ما يتطاير من البصاق حال المضغ، وقد يقع ذلك في الطعام فيورث القنافة. الثاني: أنه إذا ضم شفتيه لفمه تَرَقّق. وينبغي له عند السعال أن يحول وجهه عن الطعام أو يبعده عنه أو يجعل شيئًا على فيه، لئلا يخرج منه بصاق فيقع في الطعام، وأن لا يطأطئ برأسه على الإناء حالة الأكل، وإذا كان المأكول بطيخًا قد وضح على طبق أو غيره فينبغي له ألا يخلط ما أكله من القشر، بما لم يؤكل، لأنه يورث القنافة وتنفيرًا عن أكل الباقي، ولا يرمي القشر، لأن في رميه كلفة في جمعه ليطرح في المزبلة، وربما نالت القشور رأس الجليس فصدمته، أو تقابل منها شيء حالة الرمي، بل يجعله على حدة.
1 / 15