(1) هل لحلقات هذا الكون التي شرحناها سلك واحد تنتظم فيه من أدناها - البحر الفوتوني - إلى أعلاها - العقل الاجتماعي وأدبيته؟
لا نرى هذه الحلقات تشترك بشيء سوى قوة الجاذبية، هذه القوة عاملة في كل حلقة من الحلقات الست التي أجملناها آنفا، وفيما سوى ذلك فكل درجة من درجات التطور الكوني عالم مستقل بظاهراته وتنظيمه مع تشابه النظم في مجملها.
فالأجرام تجمع بلا تركب، والجزيئات تجمع وتركب، بحيث إن المركب يختلف في ظاهراته عن الأجزاء التي تركب منها، وتركبها يكاد يكون ثابتا أو قليل التغير.
وفي الحياة تجمع وتركب متعدد معقد دائم التحول والتنوع، وتحرك ملازم للتركب والتحول.
وفي العقل تجمع وتركب وتحول، وتحرك خليات سريع.
وفي الجميع يمكنك أن تتقصى الجاذبية. (2) ما هو كائن فلا بد أن يكون
هل التطورات الطارئة في هذه العوالم ناتجة حتما؟ أو كان ممكنا أن ينتج الكون المادي غير هذه العوالم التي نتجت منه؟
إذا كانت طبيعة الكون المادي تستلزم حتما نشوء تلك العوالم التي شرحناها كانت هذه العوالم مضمرة في كل فوتون من فوتونات المادة؛ أي: إن طبيعة الفوتون نزوعة للنشوءات التي نشأت منه. وإذا كان الأمر كذلك وجب أن تكون أجزاء الكون متماثلة تمام التماثل في كل مكان وزمان، ووجب أن تكون الحياة وتاجها العقل في كل جرم من الأجرام؛ وبالتالي وجب أن تكون الأجرام متشابهة حجما وحرارة وتشععا ... إلخ، ولا تفاضل بينها ولا تفاوت ولا تباين؛ لأنها جميعا متجمعة من فوتونات ذوات طبيعة واحدة.
والواقع غير ذلك؛ فإننا نرى جماعات المادة مختلفة الأحجام والأعمار والكثافة ونشاط الحركة، نرى أن التجمع في كل جرم أو جسم ينشئ بيئة خاصة، تؤدي إلى ظاهرات خاصة، تختلف عن بعض ظاهرات جرم آخر خاصة به.
فإذن، ما نراه من اختلاف ظواهر أجزاء الكون ليس نتيجة نزعة عامة في الفوتون، بل هو نتيجة تجمعات الفوتونات على أنماط مختلفة غير مقصودة ولا مضمرة فيها، هي أعراض تلك التجمعات، وكل نمط يفضي إلى نوع أو أنواع من التطورات والظاهرات، وكل ظاهرة هي نتيجة لظاهرات عديدة سبقتها مجتمعة، لا لسبب متسلسل من سبب أول في الفوتون؛ لذلك كان محتملا أن يكون للكون المادي عوالم غير هذه العوالم، تختلف عن هذه ولو بعض الاختلاف، ولا ندري كيف تكون، فالكون إذن متطور بلا تقيد في تطوراته سوى تفاعل السوابق المباشرة له، فليس له مجرى خاص اختطته له طبيعة خاصة بحيث لا يستطيع أن يحيد عنه ... ولو كان له مجرى خاص لا ثاني له لأمكن للعقل البشري أن يرى هذا المجرى حاضرا ومستقبلا كما يراها، وماضيا بكل ضبط وبلا خطأ، ولكانت أساليب التطور بسيطة جدا لا تعتورها استثناءات واستدراكات عديدة مختلفة كما هي الحال.
نامعلوم صفحہ