فلسفہ قاریہ: مقدمہ قصیرہ
الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
تعد مسألة ما إذا كانت الفلسفة القارية أحد فروع الفلسفة مكتملة الأركان أم لا مسألة خلافية، وإذا رأى المرء أنها كذلك، فإن من مواضع الخلاف أيضا ما إذا كان مصطلح «الفلسفة القارية» يصف هذا الفرع على أفضل نحو أم لا (بدلا - مثلا - من مصطلح «الفلسفة الأوروبية الحديثة»، الذي كثيرا ما يستخدم كبديل). دعنا نقل فقط إن الفلسفة القارية مفهوم مثير للجدل. وبوضع هذا في الاعتبار، فإن لهذا الكتاب ثلاثة أهداف؛ وهي: (1)
إظهار السبب في كون الفلسفة القارية مجالا خلافيا من خلال إلقاء نظرة على تاريخ ومعنى هذا المصطلح وكيفية تمييزه وتوضيحه من خلال ما يزعم أنه يعارضه، وهو الفلسفة التحليلية أو الأنجلو أمريكية. (2)
إظهار كيف أن مفهوم الفلسفة القارية يمكن أن يعرف، في الواقع، بوضوح ويتضمن مجموعة مميزة من التقاليد والممارسات الفلسفية التي تتناول مجموعة جذابة من المسائل التي عادة ما يتجاهلها أو يرفضها التقليد الأنجلو أمريكي. (3)
إظهار كيف يمكننا في المستقبل - على الرغم من هذا - التحدث عن الفلسفة بعيدا عن مثل هذه الخلافات الأكاديمية حول ما هو قاري أو تحليلي.
أبدأ باتخاذ مسار مختلف قليلا وتوضيح مشكلة أكبر تواجه الفلسفة المعاصرة؛ وهي: العلاقة بين الحكمة والمعرفة؛ إذ توجد فجوة في جانب كبير من الفلسفة بين المسائل النظرية الخاصة بكيفية معرفة المرء ما يعرفه، والمسائل الأكثر واقعية أو وجودية حيال ما قد يعنيه عيش حياة بشرية جيدة أو مرضية. لقد تخلى جانب كبير من الفلسفة عن مهمة محاولة دمج المعرفة والحكمة في رؤية شاملة واحدة. وسوف أحاول أن أبين كم الجاذبية الذي يكمن في الفلسفة القارية بسبب محاولتها سد أو تقليص هذه الفجوة بين المعرفة والحكمة (أو النظرية والتطبيق)؛ ومن ثم الإبقاء على بعض من صدى التعريف القديم للفلسفة بأنها حب الحكمة. ولكن، كما سنرى، فإنه في هذا العالم الذي يتشكل على نحو متزايد اعتمادا على عمليات العلوم الطبيعية، هذه الرؤية لا تخلو من مشاكل خاصة بها.
يمكن تقسيم الفصول التالية في ضوء تمييز فلسفي كلاسيكي آخر: التاريخي والمنهجي. يقدم الفصل الثاني طرقا تاريخية مختلفة للتمييز بين الفلسفة القارية والتحليلية، فأرجع بدايات الفلسفة القارية إلى استقبال أعمال إيمانويل كانط في أواخر القرن الثامن عشر، الذي يعد في نواح كثيرة الشخصية العظيمة الأخيرة المشتركة لدى التقليدين: القاري والتحليلي، وهو أيضا الذي أعلن بدء انفصال هذين المنهجين أحدهما عن الآخر، وسوف أتناول السبب في هذه الحالة من خلال مقارنة المنهجين مع منهج كانط. كما سأتناول أيضا ببعض التفصيل الجدل الذي نتج عن أعمال كانط في ثمانينيات وتسعينيات القرن الثامن عشر، وبعد ذلك سأوضح كيف أن هذا الجدل حدد القضية الرئيسية للمثالية الألمانية لدى جيه جي فيشته وجي دابليو إف هيجل. وهذه القضية على نحو بسيط هي: هل يقوض نقد كانط للعقل في نهاية المطاف، على النقيض تماما من نيته المعلنة، أساس المعتقدات الأخلاقية والدينية؟ بعبارة أخرى، ألا يؤدي نقد العقل، الذي لا بد أن يكون نقدا لكل المعتقدات، إلى كابوس الشك التام والعدمية؟ سوف نتتبع الآثار الكبيرة لهذا الأمر في الفلسفة القارية في القرنين التاسع عشر والعشرين.
يبدأ الفصل الثالث بتناول بعض مشاكل التمييز بين الفلسفة القارية والتحليلية، قبل تناول بعض التمثيلات النمطية إلى حد ما - والمثيرة للاهتمام حقا - لذلك في الأدبيات الفلسفية. وبعد ذلك أناقش معنيين للفلسفة القارية؛ الأول: باعتبارها وصفا ذاتيا أكاديميا يستخدمه الفلاسفة، والثاني: باعتبارها سمة ثقافية ذات تاريخ معين يستخدمها عدد أكبر من الأشخاص، من بينهم مارجريت تاتشر. وأرى أن معظم العداء وسوء الفهم فيما يتعلق بالفلسفة القارية من قبل الفلاسفة التحليليين يكمن في حقيقة أن هذين المعنيين يتم الخلط بينهما على نحو غير مفيد، وأن الوصف الذاتي الأكاديمي يخفي السمة الثقافية بطرق ضارة في أغلب الأحيان. وبعد ذلك ألقي نظرة على التاريخ والسياق الثقافي للفلسفة القارية في العالم الناطق بالإنجليزية، مقدما الأطروحة القائلة بأن الصراع بين التقليدين القاري والتحليلي يفهم على نحو أفضل في سياق نموذج سي بي سنو الشهير الخاص ب «الثقافتين»؛ بمعنى أن الحياة الثقافية في العالم الناطق بالإنجليزية تتسم بانقسام بين العلم من جانب، والأدب أو الفهم الإنساني على الجانب الآخر. بعبارة أخرى، الفلسفة القارية ليست شيئا أجنبيا يحدث «هناك»، بل هي تعبير عن عداء في جوهر شيء مثل «الإنجليزية». أركز على المثال التاريخي المفيد لجون ستيوارت مل في هذا الصدد وتأملاته الرئيسية حول الانقسام الثقافي الإنجليزي بين طرق التفكير التجريبية والتأملية، الذي يصل مداه في الصراع بين رومانسية صامويل تيلور كولريدج ونفعية جيرمي بنثام. وأتطرق في الختام إلى تعبيرات أخرى أكثر حداثة عن الصراع بين هاتين الثقافتين.
وأحاول في الفصل الرابع أن أبين ما هو مميز وجذاب في الفلسفة القارية على نحو منهجي أكثر؛ فبعد تقديم بعض الملاحظات حول كيف أن المرء يمكن أن يفسر اختلاف الممارسة بين الفلاسفة، أركز على مفهومي التقليد والتاريخ وإيضاح كيفية فهم هذين المصطلحين على نحو مثير للاهتمام لدى اثنين من الفلاسفة هما إدموند هوسرل ومارتن هايدجر. وأقترح نموذجا لوصف الممارسة الفلسفية في التقليد القاري، والذي يتمحور حول ثلاثة مصطلحات رئيسية؛ هي: «النقد» و«الممارسة» و«التحرر». يهدف هذا إلى إيضاح كيفية اهتمام جانب كبير من الفلسفة القارية بتقديم نقد للممارسات الاجتماعية للعالم المعاصر والسبب في ذلك؛ وهو النقد الذي يطمح لتحقيق هدف التحرر الفردي والمجتمعي.
بعد ذلك أعود إلى المفهوم الأساسي المتمثل في العدمية - أي انهيار أو انخفاض قيمة القيم السامية، مثل الإيمان بوجود إله أو خلود الروح - والذي تجد التفصيل المحدد له في أعمال فريدريك نيتشه، وأتناول السياق الروسي المثير للاهتمام لفهم نيتشه للعدمية. أحاول بعد ذلك إيضاح كيف يمكن لدراسة الأمراض الثقافية والفكرية التي أدت إلى تشخيص نيتشه للعدمية أن تتشعب بعده إلى حداثة رجعية وتقدمية، وكيف أن هذا يقود إلى الفهم المحدد للعلاقة بين الفلسفة والمجالات غير الفلسفية في التقليد القاري.
يتناول الفصل السادس دراسة حالة معينة. إذا كان هناك صراع واحد يجسد جوانب الخلاف بين الفلسفة القارية والتحليلية، فإنه ذلك الذي حدث في الفترة من أوائل ثلاثينيات القرن العشرين وما بعدها بين هايدجر ورودولف كارناب. وهذا الصراع هو أساسا صراع بين التصور العلمي للعالم الذي قدمه كارناب وحلقة فيينا، والتجربة الوجودية أو «التأويلية» للعالم عند هايدجر. ويمكن إرجاع الكثير من جوانب الخلاف الحديثة بين فلاسفة التقليدين التحليلي والقاري إلى المواجهة اللافتة للنظر بين هايدجر وكارناب؛ لذا فإن الأمر يستحق النظر في الأخطاء التي حدثت بالضبط.
نامعلوم صفحہ