فلسفہ قاریہ: مقدمہ قصیرہ
الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
أنهى تورجنيف الصراع الدرامي بين الليبرالية والعدمية على نحو كلاسيكي، وإن لم يكن مقنعا؛ فبعد وقوع بازاروف بقوة وعلى نحو غير عقلاني في حب السيدة الأرستقراطية والرومانسية أودينتسوفا - دون أن تبادله الحب - يعود إلى أرض الوطن ليعيش كطبيب ريفي مثل والده. وفيما يرقى إلى الانتحار (وهو أمر منطقي في رأي دوستويفسكي)، يلتقط بازاروف عدوى التيفود من جثة إحدى الفلاحات المصابة بالمرض، ويعترف بحبه للسيدة أودينتسوفا على فراش الموت. وهكذا تنهزم العدمية أمام قوة الحب، وتنتهي الرواية برؤية مسيحية تتمثل في «المصالحة الأبدية والحياة التي لا نهاية لها». (2) العدمية النيتشوية
التعبير الأكثر بلاغة عن نسخة نيتشه من العدمية يمكن العثور عليه في الكتاب الأول من مجموعة أعماله التي جمعت بعد وفاته بعنوان «إرادة القوة». فبالنسبة إلى نيتشه، العدمية تعني:
أن تخفض القيم السامية قيمة نفسها. غياب الهدف، الجواب على السؤال «لماذا».
ما ينبغي التركيز عليه هنا هو استخدام الفعل الانعكاسي؛ «تخفض قيمة نفسها». فنيتشه لا يدعي أن القيم السامية تنخفض قيمتها من خلال النقد؛ وهو ما قد يكون زعم جاكوبي أو تورجنيف، بل إنه أمر أساسي في تطورها أن تخفض قيمة «نفسها». يمكن وضع هذا القول جنبا إلى جنب مع عبارة نيتشه الأشهر التي كتبت على جدار برلين السابق، وعلى جدران المراحيض في جميع أنحاء العالم، وهي أنه «لقد مات الإله». وهذا لا يعني أن الإله بنحو ما مات منسلا بهدوء من الباب الخلفي للكون دون أن يخبر أحدا، أو أن إلها آخر أخذ مكانه؛ بل يعني ذلك أننا «نحن الذين قتلناه»؛ فإننا نحن البشر مسئولون عن موت الإله. العدمية هي انهيار نظام المعنى؛ حيث يصبح كل ما كان مفترضا كمصدر متسام للقيمة في ميتافيزيقا ما قبل كانط باطلا؛ حيث لا توجد شماعات معرفية يعلق عليها معنى للحياة. فكل الادعاءات المتسامية عن معنى الحياة تختزل إلى مجرد قيم - في فلسفة كانط، يختزل الإله وخلود الروح إلى حالة مسلمات العقل العملي الخالص - وأصبحت تلك القيم غير قابلة للتصديق، تنتظر ما سماه نيتشه «قلب القيم» أو «إعادة تقييم القيم».
وبعيدا عن أي تأثير من السياقين الروسي والألماني، فإن ما يجب التأكيد عليه هو الجرأة والأصالة التامتان لتصور نيتشه للعدمية؛ فبالنسبة إلى نيتشه، سبب العدمية لا يمكن تفسيره اجتماعيا أو سياسيا أو معرفيا أو حتى فسيولوجيا (أي فيما يتعلق بقصة ما حول انقراض الجنس البشري)، ولكنه متأصل في تأويل معين للعالم، وهو: «المسيحية». بالنسبة إلى نيتشه، امتلك التأويل «المسيحي الأخلاقي» للعالم الميزة الواضحة المتمثلة في أنه ترياق للعدمية عن طريق منح معنى للعالم، ومنح قيمة للبشر، ومنع اليأس. ومع ذلك، بالنسبة إلى نيتشه - وهذا أمر قاطع - توجد مفارقة أو تناقض داخل العدمية؛ وهو أن التأويل المسيحي الأخلاقي للعالم مدفوع برغبة في معرفة الحقيقة، ولكن هذه الرغبة تنقلب في نهاية المطاف ضد التأويل المسيحي للعالم من خلال اكتشاف أنه غير حقيقي. بعبارة أخرى، الميتافيزيقا المسيحية تتمحور حول الإيمان بعالم حقيقي يختلف عن عالم الصيرورة الزائف الذي نعيش فيه. ومع ذلك، من خلال إدراك موت الإله، يتبين أن العالم الحقيقي خرافة. وهكذا - وهذا هو التناقض - الرغبة في تأويل أو تقييم أخلاقي للعالم تبدو الآن رغبة في الزيف. والمسيحية - مثل التراجيديا القديمة في عمل نيتشه المبكر «مولد التراجيديا» - لم تمت، بل بالأحرى انتحرت؛ ومع ذلك، تكمن المشكلة في أن الإيمان بالعالم الحقيقي «ضروري» ببساطة من أجل العيش لأننا لا يمكن أن نتحمل عالم الصيرورة هذا. ويكتب نيتشه قائلا:
ولكن بمجرد أن يكتشف المرء كيف أن هذا العالم مصنوع فحسب من أجل تلبية حاجات نفسية، وكيف أنه ليس له أي حق فيه، فإن آخر صورة من العدمية تأتي إلى حيز الوجود هي التي تتضمن عدم الإيمان بأي عالم ميتافيزيقي وتحرم على نفسها الإيمان بعالم «حقيقي». وبعد الوصول إلى هذه الحالة ، يسلم المرء بأن حقيقة الصيرورة هي الحقيقة «الوحيدة»، وينكر كل السبل الملتوية التي تؤدي إلى عوالم ميتافيزيقية وإلى آلهة مزيفة؛ ولكنه «لا يمكنه أن يتحمل هذا العالم، وإن لم يكن يريد أن ينكره».
شكل 5-2: فريدريك نيتشه (1844-1900) في زي عسكري.
وهذا ما يفسر سبب العداء الرئيسي للعدمية بالنسبة إلى نيتشه، وهو أننا ««لا نقدر ما نعلمه، ولا «يسمح» لنا بتقدير الأكاذيب التي ينبغي أن نود أن نقولها لأنفسنا». وهذا يعني أننا لم يعد بإمكاننا الإيمان بعالم حقيقي فيما وراء عالم الصيرورة هذا، ومع ذلك لا يمكن أن نتحمل عالم الصيرورة هذا. أو لصياغة هذا بكلمات تذكرنا بنقد جاكوبي لفيشته: «كل شيء أناني أصبح يثير اشمئزازنا (على الرغم من أننا ندرك أنه لا وجود لعمل غير أناني)؛ ما هو ضروري قد أصبح يثير اشمئزازنا.» وينتج هذا العداء الشديد ما يسميه نيتشه «عملية التحلل»؛ وهي أننا عندما ندرك الأصل الرث لقيمنا الأخلاقية، وكيف أن التأويل المسيحي الأخلاقي للعالم مدفوع بالرغبة في الزيف، فإن استجابتنا «المتفاعلة» هي إعلان أن الوجود لا معنى له. وهذا الإعلان عن اللامعنى هو ما عرفه نيتشه على أنه العدمية، وكشفه في ثلاثة أشكال ناشئة: (1)
في تشاؤم شوبنهاور، الذي يدعوه نيتشه «العدمية السلبية»، أو على نحو أكثر عدوانية «البوذية الأوروبية»؛ بمعنى أنه إذا كان هناك خواء في قلب معتقداتي الميتافيزيقية السابقة، فإنني حينها قد أؤكد أيضا هذا الخواء وأمارس اليوجا أو الأوريجامي أو أي شيء آخر. (2)
في الفوضوية الروسية أو «العدمية الفاعلة» التي شهدناها في أعمال تورجنيف، والتي يرى نيتشه أنها مجرد «تعبير عن الانحلال الفسيولوجي». وهذا يعني أنه إذا كان هناك خواء في قلب معتقداتي الميتافيزيقية السابقة، يمكنني حينها أن أمضي في تدمير كل شيء من حولي في صورة أعمال إرهاب خلاق عنيف. (هذا اتجاه داخل العدمية يمكن للمرء رصده في العديد من الحركات السياسية المتطرفة، مثل الحركة الموقفية في باريس في ستينيات القرن العشرين، التي ادعى أنصارها أنه بما أن المجتمع مجرد مشهد - صورة زائفة لمظهر فارغ - فإن المهمة السياسية تتمثل في إعلان هذه الحقيقة في الأفعال السياسية المختلفة والفنية على نحو كبير غالبا. وكان أحد الشعارات الشهيرة لتلك الحركة هو: «تحت أحجار الأرصفة، يوجد شاطئ»، وهو ينطوي على أنه ينبغي على المرء كشف هذا الشاطئ عن طريق رمي تلك الأحجار على الشرطة.) (3)
نامعلوم صفحہ