وقفتم في الأسواق فلا تقفوا إلا على من يبيع السلاح، أو يبيع الكتب.
وكان الفتح بن خاقان [١] إذا كان جالسا في حضرة المتوكّل، وأراد أن يقوم إلى المتوضّأ، أخرج من ساق موزته كتابا لطيفا، فلا يزال يطالعه في ممرّه وعوده فإذا وصل إلى الحضرة أعاده إلى ساق موزته.
أرسل بعض الخلفاء في طلب بعض العلماء ليسامره، فلما جاء الخادم إليه وجده جالسا وحواليه كتب، وهو يطالع فيها: فقال له: إن أمير المؤمنين يستدعيك قال: قل له: عندي قوم من الحكماء أحادثهم، فإذا فرغت منهم حضرت. فلمّا عاد الخادم إلى الخليفة وأخبره بذلك، قال له: ويحك! من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عنده؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما كان عنده أحد! قال: فأحضره الساعة كيف كان. فلما حضر ذلك العالم، قال له الخليفة: من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عندك؟ قال: يا أمير المؤمنين:
لنا جلساء ما نملّ حديثهم ... أمينون مأمونون غيبا ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ... ورأيا وتأديبا ومجدا وسؤددا
فإن قلت: أموات. فلم تعد أمرهم ... وإن قلت: أحياء. فلست مفندا
(طويل) فعلم الخليفة أنه يشير بذلك إلى الكتب، ولم ينكر عليه تأخره.
وقال الجاحظ: دخلت على محمّد بن إسحاق [٢] أمير بغداد، في أيام ولايته وهو جالس في الديوان، والناس مثول بين يديه كأن على رءوسهم الطير، ثم دخلت إليه بعد مدّة وهو معزول، وهو جالس في خزانة كتبه، وحواليه الكتب والدفاتر والمحابر والمساطر. فما رأيته أهيب منه في تلك الحال!.
وقال المتنبي:
أعزّ مكان في الدّنا سرج سابح ... وخير جليس في الزّمان كتاب
(طويل)
_________
[١] أديب وشاعر كان صاحبا ونديما ووزيرا للخليفة المتوكّل، وقتل معه ٢٤٧ هـ.
[٢] هو محمد بن إسحاق الصيمريّ نديم الخليفة المتوكّل، كان أديبا وشاعرا ظريفا، توفّي ٢٧٥ هـ.
1 / 12