بهمة نالت السماء، وجاوزت الجوزاء، ومن هناك حصل له الأنس بعلم النجوم فإنه أخذ علمها بالارتقاء إليها والاقتراب، لا بالحساب والأصطرلاب [١]، بلغ السماء علوّا فشافهته بأسرارها كواكبها، وفرع [٢] الأفلاك سموّا فحدثته بأخبارها، مشارقها ومغاربها:
له همم لا منتهى لكبارها ... وهمّته الصّغرى أجلّ من الدّهر
(طويل) لا تستقرّ في خزائنه نفائس أمواله، وليس لها بيت يحفظها سوى بيوت سؤّاله [٣]:
إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا ... ظلّت إلى طرق العلياء تستبق
لا يألف الدّرهم المنقوش صرّتنا ... لكن يمرّ عليها وهو منطلق
(بسيط) لا يفعل السّكر في كرمه إلا كما يفعل الصّحو في إمطار ديمه [٤]
يعيد عطايا سكره عند صحوه ... ليعلم أنّ الجود منه على علم
ويسلم في الإحسان من قول قائل ... تكرّم لمّا خامرته [٥] ابنة الكرم
(طويل) ومن أسرار كرمه أنّه منزّه عن التّبذير، وإن كان أكثر من الكثير لأنه موضوع في أجلّ مواضعه، وواقع في أفضل مواقعة، فمتى تعرّض آمل أو عنّ سائل [٦]، بادر إلى إرفاده (٧) مبادرة السيل إلى وهاده.
_________
[١] الأصطرلاب: آلة فلكية اخترعها العرب لرصد النجوم والأفلاك.
[٢] فرع الأفلاك: صعد إليها وارتقاها.
[٣] السؤال: جمع سائل، وهو طالب المعروف والإحسان.
[٤] الدّيم: جمع ديمة، وهي السحابة الماطرة.
[٥] خامرته: خالطت عقله، ابنة الكرم: كناية عن الخمرة.
[٦] عنّ سائل: طرق محتاج.
1 / 17