فألقى بين البيوت، قال: فإنا لنسير إذ لحقنا على فرس مشرعا رمحه، قد احمرّت «١» عيناه فصاح بنا: أغنوا عنّى هذه، ونبذه إلينا وولّى وهو يقول:
وإذا أخذت ثواب ما أعطيته ... فكفى بذاك لنائل تكديرا
وهذا يشبه ما حدّثنى به الرّياشىّ من أن سليمان بن عبد الملك لما حجّ ونزل الطائف هاربا من و«٢» مد مكة، قال له رجل من ثقيف: انزل علىّ، فقال: إنك لن تطيقنى، فقال: إنى لأطيقك. فنزل عنده أياما، ثم ارتحل، فأمره بالخروج معه، فقالت له امرأته: اخرج معه إلى مستقرّه، فقال: أعمل معه ماذا؟ أقول له أعطنى ثمن ما أكلته عندى! لا والله لا أفعل أبدا.
ويروى أن الحسن والحسين ﵉ لاما عبد الله بن جعفر فى إسهابه فى إعطاء المال- وكانا «٣» من الجود ما لا نهاية له- فقال: بأبى وأمى أنتما! إن الله ﷿ عوّدنى أن يمدّنى بماله، وعوّدته أن أفضل على خلقه، فأكره أن أقطع العادة فتنقطع عنى المادّة، وهذا يشبه ما يزوى عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال:
«الخلق عيال الله، فأحبّهم إليه أنفعهم لعياله» .
وفى عبد الله بن جعفر يقول القائل:
وما كنت إلّا كالأغرّ ابن جعفر ... رأى المال لا يبقى فأبقى به حمدا
ويروى «٤» أن نصيبا امتدحه فأعطاه خيلا وإبلا ودنانير ودراهم وثيابا، فقال أحد من حضر: أمثل هذا الأسود يعطى هذا المال؟ فقال: أما إنه لئن كان أسود إنّ شعره لأبيض، وإنّ مدحه لعربىّ، ولقد استحقّ بما قال أكثر مما
1 / 33