دروب ما بعد الحداثة

بدر الدين مصطفى d. 1450 AH
85

دروب ما بعد الحداثة

دروب ما بعد الحداثة

اصناف

Le faux-miroir (1935م) يجسد ماجريت عينا وقد ارتسمت على سطحها مجموعة من السحب فبدت زرقة العين وكأنها امتداد لزرقة السماء. هذه اللوحة كافية بمفردها لتبين الدور الكبير الذي لعبته الحركة السريالية في خلخلة مفهوم التمثيل؛ ففيها رسالة واضحة من ماجريت فحواها «أن عين الرسام هي دوما «مرآة مزيفة» لأنها لا تنقل الوقائع كما هي، ولا تمثلها كما هي متمثلة فعلا بالعين العادية وإنما تحرفها.»

تلك أيضا هي القضية التي تطرحها لوحة «ارتباطات خطيرة»

Les liaisons dangereuses (1926م)، في هذه اللوحة يجسد ماجريت امرأة عارية وهي تمسك بمرآة تدير سطحها العاكس جهة المشاهد. وبدل أن تعكس المرآة أطراف الجسم التي تناسب وضعه أمام المشاهد، فهي لا تمثل سوى الجهة اللامرئية؛ أي ظهر المرأة الذي لا يستطيع المشاهد ولا المرآة التقاطه، وكأن ماجريت تعمد بهذا الإخلال بقوانين الانعكاسية حتى يؤكد بأن ثمة جانبا «لا تمثيليا» في التمثيل.

وتبدو المفارقة في أن ماجريت في رسوماته يلتزم حرفيا بقوانين التمثيل الكلاسيكي؛ لأن استعادته للأشياء والأجسام هي دوما استعادة دقيقة. لكن بدل أن تعكس المرآة الجسم في أوضاعه المناسبة التي تتفق مع أوليات عملية الانعكاس، فهي تنصب أعضاء في غير مواضعها المناسبة؛ وما ذلك إلا لأن فن الرسم عند ماجريت لم يعد يعمل - كما يقول مارسيل باكي - بالكيفية التي تعمل بها المرآة المنفعلة: فهو لا يكرر المظهر بل يغيره ويحوله. وهكذا فإن فن الرسم لا يعيد إنتاج جسد المرأة وإنما يقوم على العكس بإنتاج مظهر جديد وصورة جزئية، مجمدة، مؤطرة وميتة.

حتى على مستوى فن التصوير الفوتوغرافي، الذي هو في الأساس صورة ضوئية منعكسة لأشياء العالم الخارجي، احتل مفهوم «السيمولاكرا» موقعه على خارطته، بل إن المصطلح نفسه ساهم في وضع حجر الأساس لممارسة فنية جديدة باتت معروفة على نطاق واسع في الغرب باسم «النزعة التشبيهية»

simulationism ، التي يعتبرها هال فوستر

Hal Foster «استثمارا لمفهوم السيمولاكرا عند دولوز وفوكو.»

44

وهي حركة وجدت إرهاصاتها الأولى في أعمال بعض الرسامين كرينيه ماجريت، وإندي وارهول

A. Warhol ، وما لبثت أن انتقلت إلى مجال التصوير الفوتوغرافي على يد سيندي شيرمان

نامعلوم صفحہ