Duroos by Sheikh Ali Bin Umar Badahdah

Ali bin Omar Badahdah d. Unknown
15

Duroos by Sheikh Ali Bin Umar Badahdah

دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح

اصناف

أهمية أداء الصلاة في جماعة وما فيها من الأجور إن الله جل وعلا قد ساق هذا الفضل بما لا يتصوره العقل، إلا أن يكون مستحضرًا لعظيم جود الله ﷿، وعظيم لطفه بعباده ﷾، فأنت ترى أمر الصلاة يحدوك إلى الإقبال عليها والارتباط بها، والسعي الدءوب الحثيث للغنيمة المتواصلة المتكاثرة منها، بما جعل الله في كل شأن من شئونها وكل أمر من أمورها من أجر وفضيلة. فالنداء إليها -وهو الأذان- هو الذي يعلن التوحيد، ويذكر بأمر الآخرة، وينادي المنشغلين بالدنيا ليأخذوا زادًا من تقوى الله ﷿، ومن مراقبته ﷾ ليواجهوا الباطل من بعد ذلك، وليعرفوا حقيقة الحياة الدنيا، ويجعل الله ﷿ في ذلك فضلًا وأجرًا. ثبت عن سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ رسولًا غفر له ذنبه). وفي صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة! آت سيدنا محمدًا الوسيلة والفضيلة، والمقام المحمود الذي وعدته. حلت له شفاعتي يوم القيامة). ويقول النبي ﵊ فيما يرويه أنس في مسند أبي يعلى بسند حسن: (من قال مثل مقالته) أي: مثل مقالة المؤذن. وفي حديث بلال ﵁ قال: (من قال مثل مقالته وشهد مثل شهادته) أي: كرر الشهادتين مع المؤذن (فله الجنة)، فهذا في النداء إليها وفي التذكير بها وفي الدعوة إلى شهودها قبل أن تقبل عليها وتتهيأ لها وتتوجه لها. وفوق ذلك -أيضًا- يهب الله لك مزيدًا من الفضل ترغيبًا وتشويقًا وتحبيبًا، لتأتي إلى بيته ولتناجيه وتدعوه ﷾، فبمجرد سماع هذا الأذان ينسكب في القلوب، فتهتز القلوب شوقًا، وتتعلق بشهود الصلوات في المساجد مع الجماعات، وما يزال المؤمن مرتبطًا بها فيستحق حينئذٍ ذلك الوعد العظيم والأجر الكبير الذي ذكرنا به النبي ﷺ كما في الصحيح من حديث أبي هريرة عن السبعة الذين يظلهم الله ﷿ تحت ظل عرشه في يوم القيامة، وذكر منهم: (رجل قلبه معلق في المساجد)، قال أهل العلم: ومعناه أنه شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد! فهو تعلق قلبك عندما تنتهي من هذه الصلاة، فأنت مستحضر في قلبك أنك ستدعى مرة أخرى إلى لقاء الله، وإذا سمعت النداء تهيأت بقلبك ونفسك للإقبال على الله، فهذا لك به أجر عظيم؛ لأن هذا المعنى الذي استقر في قلبك هو من أعظم المعاني، معنى التعلق الدائم والارتباط التام بالعبودية لله ﷿، فما يزال قلبك مستحضرًا أنك بين الفينة والأخرى، بين الصلاة والصلاة وبين النداء والنداء، تنطرح بين يدي الله ﷿، وتسجد له ﷾، وتخضع له، وتذرف دمع الندامة، وتدعو دعاء المتضرع لله ﷾، كل ذلك ولما تأتي بعد إلى الصلاة. فإذا تحركت إليها، وإذا مشيت إليها جاءك فضل من الله ﷿ يتلقاك مع أول حركة وأول خطوة، كما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر: (أن بني سلمة أرادوا أن ينتقلوا -وقد كانوا بعيدين عن مسجد رسول الله ﷺ، فلما خلت البقاع من حوله أرادوا أن ينتقلوا ليكونوا على قرب من مسجد رسول الله ﵊، فقال النبي ﵊: يا بني سلمة! دياركم تكتب آثاركم) أي: الزموا دياركم فإنها تكتب آثاركم وخطاكم إلى المسجد عند الله ﷾. قال النووي: فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم إلى المساجد. وهذا من فضل الله ﷾ ترغيبًا وتشويقًا. وفي حديث أبي هريرة عند مسلم عن النبي ﷺ أنه قال لأصحابه متسائلًا يحثهم ويرغبهم ويعلقهم بهذه الصلاة: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله!)! ومن يسأل مثل هذا السؤال اليوم؟! ومن يتعلق به اليوم؟! ومن يبحث عن جوابه؟! ومن يرتبط بمدلوله؟! ومن يلتزم بمقتضاه؟! قلّ هذا في الناس أو شغلوا عنه. أما النبي ﷺ فإنه في مشهد من أصحابه يلفت أنظارهم وينبه قلوبهم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة)، فهل ترى في هذه الخصال الثلاث شيئًا يخرج عن الصلاة؟! إنه الوضوء وهو شرط الصلاة، إنه السعي والإقبال إلى الصلاة، إنه الرباط في انتظار الصلاة. فالأمور الثلاثة كلها التي يحصل بها هذا المحو للخطايا والرفعة للدرجات والمضاعفة للحسنات ساقها الله ﷿ لنا في هذه الفريضة. وهناك بشارة عظمى يتعلق بها قلب كل مؤمن، ذلك أن المؤمن الحق إنما ينظر إلى الآخرة، وينظر إلى ما بعد هذه الحياة الدنيا إلى الهول الأعظم، وإلى الحساب الدقيق، وإلى العذاب الشديد، كيف يفتدي نفسه منه، كيف يفك رقبته منه، كيف يعمل ما يظن أنه ينال به رحمة الله ﷿ ورضوانه ﷾. جاءت هذه البشارة في حديث سهل بن سعد عند ابن ماجه، وفي سنن أبي داود من حديث بريدة ﵁ عن النبي ﷺ قال: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) يوم يحجب النور عن أهل النفاق والكفر والعصيان، يوم يبحث الناس عما يضيء لهم الطريق ليجوزوا الصراط وينجوا من عذاب الله ﷿ ومن كلاليب النيران، يوم تمشي في الظلمات إلى المساجد في صلاة العشاء أو الفجر تسعى إلى طاعة الله، وتتحرك إلى رضوان الله، يفتح الله ﷿ لك في حياتك الدنيا، وينور لك قلبك، ثم يكون ذلك ضياء بين يديك يوم القيامة ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ [التحريم:٨]. هكذا تتميز عندما تقبل على هذا الأمر العظيم، وليس ذلك فضلًا منك، وإنما هو واجب عليك، ولكن فضل الله ﷾ يجعل على الواجب أجرًا أعظم من الأجور التي تكون للمندوبات والمستحبات، وهذا من عظيم فضل الله ﷿ ومنته على الناس. ثم ما الذي يجعلك تتقاعس وأنت في كل حال وفي كل لحظة ووقت وفي كل ما يتصل بشأن هذه الصلاة مأجور عند الله ﷾، لماذا؟ لأن الله جل وعلا جعل هذه الصلاة صلة بينك وبينه ﷾، فجعل في كل أمر من أمورها وفي كل شأن من شئونها أجرًا عظيمًا، حتى يبقى القلب موصولًا بالله، وتبقى الصلة دائمةً بالله ﷾. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (فإن أحدكم ما قعد ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما لم يُحدث، تقول الملائكة: اللهم! اغفر له، اللهم! ارحمه) فهذه ملائكة الرحمن تتنزل من السماء لتشهدك وأنت تنتظر الصلاة في بيت الله ثم تتوجه إلى الله بالدعاء لك بالمغفرة والرحمة والرضوان. فأي وقت يكون طويلًا وأنت في هذه الحالة؟! ما بالك قد ترى أنك بكرت إلى الصلاة، أو جئت بعد الأذان فتنظر إلى ساعتك وتستطيل الوقت إلى الإقامة، وإذا أطال الإمام قليلًا في قراءته تململت ورأيت أن الوقت -كما يقال- قد ضاع؟! وأي وقت يضيع وأنت في بيت الله، وحولك ملائكة الله، والدعاء مرفوع لك إلى الله ﷿، وأنت تسجل لك الحسنات وتمحى عنك السيئات؟ فهل ندرك عظيم ذلك الفضل الذي غفل عنه كثير منا ولم يستحضروا في قلوبهم ونفوسهم ما أخبر به النبي ﷺ عن هذه الصورة العظيمة التي شملت كل فضيلة في هذا الأمر؟ وفي حديث عثمان ﵁ -كما في صحيح مسلم - عن النبي ﷺ أنه قال: (من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس في المسجد غفر الله له ذنوبه) مغفرة عند الأذان، ومغفرة عند الوضوء، ومغفرة في السعي والمشي إلى الصلاة، ومغفرة عند أداء الصلاة، أليس هذا فضلًا عظيمًا من الله ﷿؟! ما بال الناس اليوم غفلوا عن هذا الفضل؟! فلا تراهم في المساجد إلا قليلًا، ويقلون بشكل أكبر في بعض الفرائض كصلاة الفجر أو العصر أو غيرها مما قد يكون فيه مشقة يسيرة لا يمكن أن تصد أو أن تحجب عن مثل هذا الأجر الكبير والفضل العظيم. وفي الحديث المشهور -الذي يحفظه كثير من الناس، وهو حديث ابن عمر في الصحيحين- أن النبي ﷺ قال: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ -أي: الفرد- بسبعٍ وعشرين درجة) وما أدراك ما هذه الدرجات؟! وما أدراك ما فيها من الفضائل والحسنات؟! وهذا فضل عظيم ساقه الله ﷿، وكلما شهدت الصلاة مع جماعة أكبر كان الفضل والأجر عند الله ﷿ أعظم. كل ذلك لتبقى مشدودًا متعلقًا بهذه الفريضة، وبعض الناس يختار الأدنى ويرضى بالأقل في أمر الدين، بينما هو في أمر الدنيا يسعى للمراتب العالية وللفرص العظيمة، وإن كانت صعبة أو شاقة، ولذا نجد بعض الناس كلما وجد فرصة للترخص أو لترك الصلاة مع الجماعة في المسجد أو لأي شأن من الشئون رأى أن في ذلك عذرًا يكفيه لأن يرضى بالأقل من الأجر، كأنما قد غنمنا أجورًا كثيرة، وأمنا من معاص وسيئات عديدة، نسأل الله ﷿ السلامة. يقول النبي ﵊ -كما في سنن أبي داود من حديث أبي بن كعب -: (إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده

2 / 3