والتوفيق والعصمة (¬1) لا يكونان ثوابا؛ لأن التوفيق هو توفيق للمستقبل من الطاعات، والطاعة المستقبلة تحتاج إليه. والعصمة هي عصمة من المعاصي المستقبلة، ومن أجل المعاصي المستقبلة يحتاج إليها؛ فصح أنهما لطفان من ألطاف الله تعالى، وأنهما سميا (¬2) باسم العصمة والتوفيق إذ كان المعلوم من شأن من يؤتاهما أنه يصلح بهما ويعتصم من معاصي الله عز وجل.
* مسألة [النصرة غير العصمة]:
فإن قال: أفليس ضد التوفيق عندكم الخذلان، والخذلان عندكم عقوبة ؟ قيل: لا؛ لأن الخذلان هو ضد النصرة، والنصرة من الله تعالى ثواب، والخذلان عقاب؛ لأن الله لا ينصر الكافرين ولا يخذل المؤمنين. وأما التوفيق والعصمة فليستا من النصرة والخذلان في شيء؛ لأنهما لفظتان على ما بينا من صفتهما. وأيضا: فإن قول القائل: عصم الله فلانا من معاصيه، كلام صحيح. فلو قال: نصر الله فلانا من معاصيه أو على معاصيه أو على أن لا يعصيه لكان هذا كلاما محالا لا معنى له. فصح بهذا أن النصرة من الله تعالى غير العصمة.
فصل [تسديد الله تعالى للمؤمنين وإرشادهم]
ويقال: إن الله تعالى مسدد المؤمنين، ومرشد لهم، ومصلح لهم، ومعنى ذلك واحد إذا عنينا الصلاح الذي هو الإيمان؛ لأن الرشد هو الإيمان، والصلاح هو الإيمان، فإنما وصفنا الله تعالى بأنه أصلح المؤمن بأن أضفنا سدائده (¬3) وصلاحه وإيمانه إلى الله تعالى، إذ كان إنما نال ذلك بالله عز وجل. وكذلك إنما وصفناه بأنه أرشد المؤمن بأن أضفنا إرشاده وإيمانه إلى الله تعالى. وكذلك وصفناه بأنه تعالى سدد المؤمن على هذه المعنى.
صفحہ 29