قد يقال في سعة اللغة للإنسان خليل، على معنى الحبيب، وهذا هو مجاز لا حقيقة؛ لأنه لو كان الحبيب خليلا على الحقيقة لكان المؤمنون جميعا أخلاء الله كما أنهم أحباؤه، وهذا غير صحيح ولا سائغ في حقيقة اللغة. فإن قال: أفليس قد روي عن أبي هريرة أنه قال: سمعت خليلي رسول الله؟ (¬1) قيل له: قد يجوز أن يقول أبو هريرة هذا على التوسع، وأما حقيقة الخلة [ف]هي ما وصفنا، وهي تأويل حديث رسول الله j في أبي بكر رضي الله عنه.
* مسألة [أيجوز أن يتخذ الله صديقا من خلقه ؟ ]:
فان قال: أفيجوز أن يتخذ الله صديقا من خلقه، فيكون صديقا للمؤمنين، والمؤمنون له أصدقاء؟ قيل له: لا. فإن قال: وما الفرق بينهما؟ قيل له: لأن الصديق في اللغة بأن يصدق صاحبه الود والمحبة، وأن يكون ضمير كل واحد منهما لصاحبه كعلانيته، فلما لم يجز أن يوصف الله تعالى بأن سريرته للأنبياء كعلانيته، وأن ما يضمر لهم كما يظهر، إذ كان الضمير والطوية لا يجوزان عليه لم يجز أن يكون صديقا لهم.
وأيضا: فإن الصديق إنما هو اسم وقع في اللغة على التوسع، وذلك أنه اشتق من صدق المودة، والصدق في حقيقة اللغة إنما هو الخبر الذي وقع مخبره على ما أخبر به المخبر، فلما كان استعمالهم الصدق في المودة مجازا غير حقيقة لم يجز أن يسمى الله تعالى به؛ لأنه تجب التسمية له عز وجل من جهة الحقائق لا من جهة المجاز؛ فلهذا لم يجب أن يقاس الصديق على الخليل، إذ كانت (¬2) التسمية بالخليل حقيقة، والتسمية بالصديق مجازا، والمجاز لا يجب أن يقاس على الحقائق.
صفحہ 23