دراسات فی المذاہب الادبیہ والاجتماعیہ
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
اصناف
فالمهجريون الجنوبيون لم يقبلوا قط دعوة من دعوات الهدم باسم التجديد في قواعد اللغة أو قواعد العروض أو قواعد الآداب السلفية في جملتها، وقد أعرضوا عن كل دعوة من هذا القبيل وساعدهم على الإعراض عنها، أنها جاءت من مبدئها ضعيفة هزيلة لا تقنع أحدا بالإصغاء إليها، فكان الداعون إلى إهمال قواعد العروض أو قواعد النحو أصحاب مذهب قديم ليس أقدم منه، ولا أسهل منه على الجاهل والعاجز ومن لا يحسن الأداء بالكلام الموزون أو الكلام المنثور ولا التعبير باللهجة الفصحى أو اللهجة العامية، وذلك المذهب القديم العتيق هو العجز عن الفصاحة والقدرة على الركاكة، أو العجز عن الصواب والقدرة على الخطأ، وليس هذا مذهبا يقنع أحدا بالتجديد أو بترك القديم؛ لأنه هو بذاته أقدم من أقدم الأقدمين.
وعلى هذه المحافظة في وجه كل دعوة من دعوات الهدم أثبت المهجريون الجنوبيون أنهم أقدر من المجددين المزعومين على استخدام أوزان الموشحة وأوزان الرباعية والمقطوعة في ضروب النظم الغنائي وضروب النظم الملحمية على اختلاف الموضوعات.
وقد ذهب المهجريون المحافظون أشواطا وراء أشواط المجددين المزعومين، فليس من هؤلاء المحافظين من لم يكن له مذهب مستقل في العقيدة الإلهية أو السماحة الدينية، وليس منهم من أحجم عن رأي حديث من آراء العلم الاجتماعي جمودا على القديم وإشفاقا من تكاليف الحرية الفكرية، بل كان منهم أناس تطرفوا في اتباع هذه الآراء عند ظهورها، وذهبوا معها إلى غاية مداها، ولم يعدلوا عنها متقيدين بقيود المحافظة العمياء؛ بل عدلوا عنها لأنهم عرفوها وحققوها خيرا من معرفة الجامدين عليها والمتعصبين لها، جريا على سنن التقليد والمحاكاة.
وإذا وقف الفريقان معا موقف المناجزة بالحرية والقدرة، فلن يستطيع المجددون المزعومون أن يتهموا أشد المحافظين حفاظا على عقيدته بالتخلف في ميدان الحرية والإقدام على سلطة مرهوبة في وطنه الأصيل أو وطنه الحديث، ولكن المحافظ «المزعوم» يستطيع بغير مشقة أن ينكر عليه حرية السماحة الفكرية كما يستطيع أن ينكر عليه قدرته على تصحيح الأسلوب، ويسجل عليه خلو الجديد الذي يدعو إليه من كل قدرة يحاولها من يريد.
وبهذه الخاصة «المنفردة» في تاريخ الآداب العربية يتميز الأدب المهجري في الجنوب، وينفرد المحافظون من شعرائهم بهذه «الشخصية» الشاملة التي انطوت فيها جميع «الشخصيات» بين أطواء العبقرية العربية، والتي برزت من ورائها ألوان من ملامح الروح والسليقة يعتز بها طلاب الثروة الأدبية في كل عهد من العهود.
الفصل الرابع عشر
الزهاوي وديوانه المفقود
اطلعت في مجلة «المكتبة» البغدادية على مقال للسيد أكرم زعيتر عن «ذكرياته لشاعر العراق الزهاوي» قال فيه من حديث جرى بينه وبين الشاعر في آخر لقاء له قبل سفره من بغداد:
قال - أي: الزهاوي - هل اطلعت على «الأوشال»؟ قد كنت أظن وقد رق عظمي أن زمني لن يمتد بي كثيرا؛ فسميت مجموعة قصائدي الأخيرة (الأوشال)، ثم نظمت بعد ذلك قصائد أخرى أعتقد أنها آخر ما أنظم في حياتي التي أراني مغادرها قريبا، وقد جمعتها في ديوان سميته «الثمالة» ليكون آخر ما يطبع لي ...
قلت: وهل للأستاذ شعر لم يطبع غير «الثمالة»؟ قال: أجل، إنه ديوان لا ينشر في القرن العشرين.
نامعلوم صفحہ