172

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

اصناف

وزيادة على ذلك فإن معظم مباحث هذه العلوم كانت إنشائية ودستورية

Impréiatif, normatif

تبحث «عما يجب أن يكون»، أكثر مما تدرس «ما هو كائن»، وتسعى وراء وضع «دساتير عمل»، أكثر مما تهتم باكتشاف و«استجلاء الحقائق».

إن علماء الأخلاق - مثلا - كانوا يبحثون عن السلوك الذي يجب أن يسلكه الإنسان، من غير أن يدرسوا «سلوك الإنسان»، ومن غير أن يلاحظوا علاقة هذا السلوك بأحوال المجتمع وأشكاله، وكذلك كان علماء الاقتصاد يبحثون في «الثروة»، من غير أن يهتموا بأحوال المجتمع الذي ينتج هذه الثروة أو يستهلكها، وأما البحث في المجتمع كمجموع، ودرس أحواله على هذا الأساس فكان من الأمور الخارجة عن خطط العلوم المذكورة، وبعيدة عن أنظار العلماء المشتغلين بها. (4)

إن هذه الحالة أدت إلى حدوث مباحثات كثيرة ومناقشات شديدة بين مؤسسي علم الاجتماع الذي ظهر متأخرا، وبين أرباب العلوم الاجتماعية التي ذكرناها آنفا؛ ماذا يجب أن تكون علاقة هذا العلم الأساسي الجديد بتلك العلوم الخاصة القديمة؟

لقد انقسم المفكرون والعلماء تجاه هذا السؤال إلى معسكرين متخالفين.

قالت جماعة منهم: إن العلوم الاجتماعية القديمة يجب أن تحافظ على استقلالها، وتواظب على أبحاثها الخاصة، وفق خططها الخاصة ومناحيها الخاصة، وأما علم الاجتماع فيجب أن يقتبس ما يجب اقتباسه من الحقائق التي تكتشفها تلك العلوم، ويركب تلك الحقائق تركيبا فلسفيا، وبتعبير آخر: إن علاقة علم الاجتماع الجديد بالعلوم الاجتماعية القديمة، يجب أن تكون مثل علاقة الفلسفة بسائر العلوم.

ولكن جماعة أخرى قالت بعكس ذلك تماما: إن علم الاجتماع يجب أن يشمل جميع مباحث العلوم الاجتماعية اشتمالا مباشرا، يجب أن تدخل كل هذه العلوم في نطاق علم الاجتماع، فتعتبر فصولا أو فروعا لهذا العلم الشامل؛ ذلك لأن اعتبار تلك المواضيع مستقلا بعضها عن بعض، ودرسها مستقلا عن المجتمع لا بد من أن يؤدي إلى أخطاء كبيرة أساسية؛ فإن البحث في تلك المواضيع لا يمكن أن يوصل إلى حقائق علمية مثبتة إلا عندما يتم على ضوء مناحي البحث التي تتبع في علم الاجتماع.

إن المناقشات التي احتدمت بين الرأيين لم تنته إلى نتيجة حاسمة تماما، ومع هذا أدت إلى عدة نتائج عملية هامة.

فإن علماء الاجتماع أعادوا البحث والنظر في جميع المسائل والمواضيع التي كانت تعتبر من خصائص العلوم الاجتماعية الآنفة الذكر، فكونوا فروعا عديدة لعلم الاجتماع عرفت بأسماء جديدة؛ مثل الاجتماع السياسي، الاجتماع الاقتصادي، الاجتماع التشريعي، وهلم جرا.

نامعلوم صفحہ