171

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

اصناف

من المعلوم أن علم الحياة تأسس في أواخر القرن الثامن عشر، وتقدم تقدما كبيرا في أوائل القرن التاسع عشر؛ ولذلك كان قد حان - عندئذ - دور تأسيس علم الاجتماع. اعتقد أوغوست كونت بذلك، فأخذ على عاتقه مهمة تأسيس هذا العلم تحت تأثير هذا الاعتقاد، واعتبر هذا العلم الجديد خاتمة لسلسلة العلوم. (2)

إن عددا غير قليل من المفكرين انتقدوا نظرية كونت في هذا الصدد من وجوه عديدة.

لقد لاحظوا أولا أن هذه السلسلة لم تعط موقعا ما لعلم النفس؛ لأن كونت كان قد اعتبر العلم المذكور فرعا من فروع علم الحياة. إن تلاميذ كونت فهموا خطأ أستاذهم في هذا الصدد، واعتبروا علم النفس أيضا علما مستقلا، مثل علم الحياة وعلم الاجتماع، وخصصوا له مرتبة جديدة في سلسلة مراتب العلوم، تقع بين هذين العلمين .

ثانيا؛ لاحظ بعض المفكرين «أن تاريخ الاكتشافات من الأمور التي تتأثر من عوامل كثيرة ومتنوعة، فمحاولة تفسير تاريخ العلوم وتعليله استنادا إلى أمر «معضلية المواضيع» وحدها، مما لا ينطبق على الحقائق الراهنة تمام الانطباق.

نحن لا نرى لزوما لمناقشة هذه النظرية من وجوهها المختلفة في هذا المقام، بل نكتفي بسردها لنبين رأي أوغوست كونت في تبعية علم الاجتماع لعلم الحياة من جهة، وفي علة تأخر علم الاجتماع عن سائر العلوم من جهة أخرى.

ومهما كان نصيب هذه النظرية من الصحة، فمما لا مجال للشك فيه أن علم الاجتماع لم ينضم إلى مجموعة العلوم البشرية - بشكل فعال - إلا بعد الربع الأول من القرن التاسع عشر، بعد أن دخلت العلوم الطبيعية بوجه عام، والعلوم الحياتية بوجه خاص، في الطور العلمي المثبت، بفضل الخطط والطرائق الاستقرائية والتجريبية التي أخذ الباحثون يتبعونها في درس مواضيع العلوم المذكورة. (3)

ولكن هذه الحقيقة لا تعني أن المفكرين لم يلتفتوا إلى الحادثات الاجتماعية، فلم يدرسوا شيئا منها قبل ذلك التاريخ، بل الأمر على عكس ذلك؛ فإنه من الأمور الثابتة أن بعض الحادثات الاجتماعية صارت موضوع أبحاث علمية، حتى إن قسما من تلك الأبحاث تقدمت إلى درجة تكوين بعض العلوم الخاصة قبل ذلك بمدة طويلة.

فإن المباحث العلمية التي تعرف باسم علم السياسة، وعلم الأخلاق، وعلم الاقتصاد، وعلم التشريع، وعلم الإحصاء، وعلم البشر، وفلسفة التاريخ، وفلسفة التشريع؛ كانت تكونت قبل التاريخ المذكور بمدد غير يسيرة، ومن المعلوم أن مواضيع هذه العلوم تحوم حول الحياة الاجتماعية البشرية، ولهذا السبب كانت تسمى باسم عام، وهو «العلوم الأدبية والاجتماعية»

Sciences morales et sociales .

غير أن جميع هذه العلوم والمباحث الخاصة كانت مشوبة بنقائص جوهرية؛ كان كل واحد منها يدرس نوعا واحدا من الحادثات الاجتماعية، من غير أن يعتبر علاقة هذه الأنواع بعضها ببعض، وبالمجتمع بوجه عام، ولا بأشكال المجتمع بوجه خاص.

نامعلوم صفحہ