والغناء العربي في دمشق قديم منذ كانت غسان وتنوخ فيها، وكان غناؤهم الإنشاد والترنيم والحداء، وكان التقليس - وهو الضرب بالدف والغناء - مما يعمد إليه في استقبال الولاة عند قدومهم المصر، وحدثنا التاريخ أن بعض خلفاء بني أمية وأمراءهم وساداتهم في دمشق وضعوا ألحانا وأولعوا بالموسيقى والغناء، ومنهم عمر بن عبد العزيز، فإنه دونت له صنعة في الغناء أيام إمارته على الحجاز، وكان أحسن خلق الله صوتا، ومنهم يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد، وما زالت الموسيقى والغناء ينتشران والدمشقيون يزدادون غراما بهما كلما ارتاحوا وارتاشوا، وكان لهم في كل قرن أناس مشهورون ممتازون، ولكن التاريخ أغفل نقل أخبار هذه الطوائف من الناس، ذكروا أنهم تفننوا كثيرا في الإيقاع والآلات، ومنهم من عمل أرغنا، وهو غير الذي عرفه الإفرنج، يعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس يضم بعضها إلى بعض.
وفي القرن السادس كثر الموسيقيون والطنبوريون والقانونيون، وظهر نوابغ في هذا الفن.
وفي القرن الثامن نبغت غير واحدة من المغنيات، وما خلت هذه المدينة من عوادة وطنبورية وكراعة وربابية وصناجة ورقاصة، وكان الخلفاء العظماء يتنافسون فيهم ويفضلون عليهن وعلى كل صاحب معرفة بهذا الصنف، ومن الرجال والنساء من كانوا يمارسون هذه الصناعة للتكسب وهم المحترفون، ومنهم من يولع بها حبا بها وهم الهواة.
وأدركنا الدمشقيين لا تخلو سهرة من سهراتهم ولا نزهة من نزهاتهم ولا فرح من أفراحهم من موسيقيين ومغنين وأحيانا مغنيات، وما كان بعض أرباب المظاهر يستنكفون من رفع أصواتهم بالإنشاد والغناء، ولا من الضرب على العود والطنبور والقيثارة.
وفي العهد الأخير اقتبست الموسيقى فنونا من الموسيقى الغربية، وكادت دمشق في موسيقاها وغنائها تكون عالة على مصر تقتدي بها، مع ذلك بقيت لها بقايا خاصة بها، وما برح للموسيقى والإنشاد عند بعض أرباب الطرق شأن عظيم كشأنهما منذ القديم وإلى اليوم في الكنائس والبيع عند أهل النصرانية جميعا.
أما فن التصوير فالعرب كانوا فيه عالة على الروم والرومان، والإسلام لأول أمره شدد في التصوير، ولما ذهبت الخشية من عبادة الصورة أخذ التصوير ينتشر في البلاد الإسلامية، وقد صنعت الصور في دار مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، وكل منهما ولي إمارة المدينة وكانا من التابعين، مما دل على أن التصوير كان شائعا منذ عصر الصحابة، وكان للخلفاء في قصورهم صور وتماثيل، ولم يحظروا بادئ بدء إلا تجسيم الصور الآدمية، وعمدوا إلى التصوير في الكتب والثياب والجدر بكل ما يغري ويفتن، وكانوا على كل حال مقلين من صور الآدميين، وقد ظهر في مصر في عهد الأيوبيين والمماليك مصورون شاميون أبدعوا في التصوير على الجدران وعلى الكتب، وكان من الحمامات المصورة بدمشق حمام سيف الدين، وصفه عمر بن مسعود الحلبي المعروف بالمحار بقوله:
وخط فيها كل شخص إذا
لاحظته تحسبه ينطق
ومثل الأشجار في لونها
ولينها لو أنها تورق
نامعلوم صفحہ