ونحن في الشرق والفصحى بنو رحم
ونحن في الجرح والآلام إخوان
وصف الأفرنج منذ القرن الماضي دمشق وصفا يختلف باختلاف معرفتهم وسياسة دولتهم، وهاكم نموذجات منها.
فمن أول من وصفها «فولني» الرحالة الفرنسي، زارها حوالي سنة 1788م، ومما قاله فيها: إن العرب لا يذكرون دمشق إلا معجبين بها، ولا يفتئون يمتدحون خضرة حدائقها، ولطافة نسيمها، وكثرة فاكهتها وتعدد أصنافها، ووفرة مياهها العذبة، وصفاء فواراتها وعيونها، وهي إلى هذا متفردة بوجود أماكن للنزهة في الخلاء وسط الريف والفلاة، وما من مدينة كدمشق تحوي قنوات وسلسبيلات.
ونقل عن نيبور الذي وصف خططها ومسحها فكانت 3250 أرتوازا «مقياس قديم طوله ست أقدام» أي أن استدارتها أقل من فرسخ ونصف، قال: وإذا حكمنا على هذا القياس بمقابلتها بحلب أرى أن دمشق تحتوي على ثمانين ألفا من السكان «سكانها اليوم نحو ثلاثمائة ألف عدا الضواحي».
وطلب رولان دوجلس «من كتاب فرنسا المعاصرين» إلى مولاه وهو يحدق نظره في مئذنة عيسى المطلة على جامع بني أمية، أن يكتب له عدم التعب وألا تتم له رغبة في البحث حتى يأتي على آخر رحلته التي لم يكن يخلو فيها من عجب دائم وحب أخاذ، وهذا معناه أنه دهش بمناظر دمشق.
أما «الأخوان تارو» فقد صغرا من قدرها وقالا إن ليس فيها ما تروق مشاهدته كثيرا، وقصرا مدهشاتها على ما حبتها به الطبيعة فقط، ومما قالاه: «وهل الثرثرة الدائمة، والتقلب في حدائقها، وخصب جنانها هي التي تخفي على الدمشقيين مبلغ الهرم الذي حل ببلدهم؟ فهم يعمون عن انحطاطها وجمالها الذليل، وما برحوا مع هذا يعتقدون أنه سيعود إليها بهاؤها الذي كان على العهد الأموي، وفي أيام السلطان صلاح الدين، وهم منذ خمسة قرون يخضعون لحكم الترك على الترك، على حين هم أشد ذكاء وأكثر مضاء منهم».
وقال «موريس باريس»: إن دمشق عتبة البادية، يجتمع بها على الدوام مائة ألف بدوي إلى ثلاثمائة ألف حضري مسلم، وفيها حلم قديم ينبعث من تحت ظلال أشجارها على شاطئ التيار السريع، وإن دمشق لتستهوي قلوبنا فترق لشيخوختها وفتوتها، وهي تبدي ما أصابها من حوادث الأيام وما لها من سحر خالد، ضامة بين جوانبها تلك الآكام الجرداء. دمشق موطن من مواطن الفكر، ومعهد من معاهد الشعر، وقصر من قصور الروح، فيها يجتمع الغرب والشرق، لا يحاول كل منهما أن يصرع صاحبه ، بل يجنح إلى التفاهم معه والامتزاج به ... قال: ولقد حدثتني راهبة شريفة من راهباتنا أن الأسر الإسلامية على غاية من الأخلاق العالية، وأن الإسلام دين يأمر بأمور صالحة.
والغربيون يكتبون حقائق دمشق إذا طال مقامهم فيها، ولكن أكثرهم يصرف فيها أياما أو ساعات محدودة ويطلع على قرائه بكتاب مرتجل، وما أدري كيف يحكم مؤلف على مثل هذه العاصمة في زورة قصيرة يقضي فيها، ولا يجتمع فيها إلا إلى الرجال الرسميين يلقنونه ما يوافق منازعهم، أو إلى أصحاب الفنادق والتراجمة والأدلاء، وهؤلاء أيضا لا يدركون ما يجب أن يعرف من سحر هذه المدينة.
وقال رامبر السويسري: إن دمشق في نظر سكان البادية ومن ينزل في أطرافها الأربعة التي تصهرها الشمس جنة ذات مياه دافقة، وظلال وارفة، وثمار غضة جنية، ولا يشعر المرء بأسف شديد في أي مكان نزل، كما يشعر إذا رأى قطعة من الأرض بلغت هذه الحد من الجمال، وكان حظها أن يديرها العثمانيون المعروفة إدارتهم بالجهل والجشع.
نامعلوم صفحہ