لا شك، أن عظمة الكتاب، التي تكشف عن عظمة قائلها، تثير فينا الفضول نحو معرفة هذه الشخصية التي جمعت في آن واحد جملة من السمات المتضادة... ومن هذا المنطلق فحسب، قد نسعى لتحقيق نسبة الكتاب.. ولكن ليس من منطلق الاستفادة منه. هذه الشخصية التي يقف المرء أمامها حائرا، شخصية لا تنتمي إلى زمن من عرفناهم من البشر... شخصية من تلك التي تقف بين مليارات الخلق ممن مضى، وممن سيأتي...
وكأي عظيم، فإن نهج البلاغة بما فيه من معان وآفاق، كان بحاجة إلى دراسة، إلى تأمل، إلى قراءة لا تكون عابرة، وإنما قراءة مستلهمة، ومقارنة، ومتعمقة، بحيث لا تأخذ ما في النص أخذا عجلا ، وإنما تنظر فيه وتضعه في سياق الوقائع والمعاني ....
وقد تحصل لهذا الكتاب من الشروح والتعليقات والحواشي ما جعله نصا متفردا استطاع استيعاب الكثير من المدارس والتيارات والفهوم التي أخذت تجول وتصول بحثا عن دقائق معانيه وفرائد مبانيه.
ومن تلك المحاولات الرائعة هذا الكتاب الذي بين يديك.
ومؤلفه من تلك الشخصيات التي اتسمت بكثير من السمات التي كانت للإمام علي عليه السلام. فقد جمع بين الشجاعة والإقدام وأخلاق الفارس الذي لا يداهن الظلمة مع ورع شديد وعبادة ووله وخشوع مع صدق نفس وديانة متينة فكانت قراءته للنهج قراءة من عاش جزءا كبيرا من تجربة صاحب النهج بحيث سرت روحه في سلوكه وتجسدت صفاته في حياته حتى بات مثالا يحتذي طيب الأصل وفرعا يتدلى من سموق تلك الشجرة المباركة.
ولا شك أن خير من يقرأ تجربة ما هو من يعيش تلك التجربة بذاته ويجسدها بسلوكه العملي بين الناس .
صفحہ 4