ذو النورین عثمان بن عفان
ذو النورين عثمان بن عفان
اصناف
ولا نطيل في سرد الأمور «الدنيوية» التي قيل: إنها هاجت الفتنة على عهد عثمان ومنها: غلبة قريش على الأمصار، وسيادة العرب على الأمم الأخرى، وإقامة بعض الولاة الذين اتهموا في تقواهم، وبذل الأموال لذوي القرابة والنصراء.
فقد ثار الثوار، فجاء الكوفيون يطلبون الزبير، وجاء البصريون يطلبون طلحة، وجاء المصريون يطلبون عليا وكلهم من صميم قريش، وقد أقام معاوية ملكه بقريش والعرب، وكان بذل الأموال لذوي القرابة والنصراء عماد دولته ووسيلته إلى تأسيس بيته وبسط سلطانه.
ومن الولاة الذين أنكر الثائرون ولايتهم لاتهامهم بشرب الخمر الوليد بن عقبة، وقد حده عثمان بعد استماعه للشهادة عليه، ولم تكن ولايته على عهد عثمان، بل ولاه عمر على الجزيرة، واختاره عثمان لولاية الكوفة.
وسنرى بعد، أنه ما من عمل نسب إلى الخليفة الثالث إلا حدث مثله من قبله؛ فلم تنشب من أجله فتنة أو حدث مثله من بعده فلم تنشب من أجله فتنة، بل لعله كان من دعائم الدولة وأساس السلطان.
ولهذا قلنا: إنها أسباب ولا أسباب، وإنها بين أسباب مزعومة يراد بها غير ظاهرها، أو أسباب صحيحة ولكنها لم تفعل فعلها إلا لاقترانها بأحوال تلك الفترة، ولو جاءت في فترة أخرى لما كان لها ذلك الأثر، لم؟!
نعم، لم والأسباب واحدة تختلف عواقبها بين هذه الفترة وغيرها؟
ذلك أنها فترة جاءت بين الخلافة والمملكة، فلا تستقيم فيها وسائل الخلافة ولا تستقيم فيها وسائل المملكة. ومن هنا اضطرب الوزن، واضطراب السخط والرضى، وقياس الأمور في وقت واحد بمقياسين مختلفين أو متعارضين. ولعمر الحق ما من شيء يدل على أن الأحداث السياسية تبع للحالة النفسية ومقاييس الفكر والأخلاق كما يدل عليه تاريخ هذه الفترة في صدر الإسلام بين خلافة الراشدين ودولة بني أمية.
لقد كان الناس رعية «مملكة» يتصرفون في معايشهم ومطالبهم، كما يتصرف رعايا الممالك ويسومون ولي أمرهم أن يسوسهم سياسة الخلافة، وينتظرون من الخليفة الثالث ألا يجري في أمر من الأمور على نهج ينحرف قيد شعرة عن نهج الخليفتين الأول والثاني، وهم أنفسهم قد انحرفوا عن نهج رعايا الخليفتين أبعد انحراف.
ومما لا جدال فيه أنه عثمان لم يكن بقوة أبي بكر وعمر، ولكن عمر نفسه على قوته ومهابته قد أحس في أخريات أيامه وطأة الاختلاف بين العهود؛ فكان يقول في دعائه: «اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني غير مضيع ولا مفرط ...»
فتكليف عثمان أن يستبقي الزمن حيث لا يبقى ضرب من تكليف الأيام ضد طباعها كما قال الشاعر الحكيم، وقد أسلفنا الإشارة إلى ذلك، فقلنا في عبقرية الإمام إن عثمان «أحس بها فما فارق الدنيا حتى ترك الخلافة والملك عسكرين متناجزين لا يرجع أحدهما إلا بالغلبة على نده وضده.»
نامعلوم صفحہ