اموی دور حکومت شام میں
الدولة الأموية في الشام
اصناف
فتخلص الأمويون بموته من عدو رهيب جبار. (2-3) إخفات الثورة الأشعثية
كان العراق مركز المعارضة ومحرك الثورات ضد الأمويين، فالتجأ إليه زعماء الأحزاب الغاضبة من مختلف الجهات، ولا بد لنا من القول إن العراقيين كانوا دوما يتوقون للاستقلال ويحنون إلى استلام زمام الأحكام، ويودون لو تنتقل الخلافة إلى مصرهم ليصبحوا اليد العاملة في الحكومة العربية، فصادفوا من تشجيع الأحزاب المعارضة ما جعلهم ينتهزون الفرص للقيام في وجه الدولة الأموية كلما كانت تسنح الأيام بذلك، فعلم عبد الملك ذلك فيهم حق العلم، فالتجأ إلى القوة في سياستهم وعزز الحامية الأموية في بلادهم وفتك بالمعارضين المشاغبين، إن هذه التدابير كلها لم تجده نفعا؛ لأن للقوة تأثيرا وقتيا لا بد أن يزول حين يرتفع كابوسها. (أ) الأسباب التي هيأت ثورة ابن الأشعث في العراق
إنا لنعتقد أن الأسباب التي دعت العراقيين للثورة ودفعتهم لنصرة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وغيره من الزعماء تنحصر في عوامل لا بد لنا من درسها وتدقيقها:
العامل الأول: «الأمويون يسوقون العراقيين دوما للقتال»: جند الأمويون أهل المصرين ودفعوهم إلى مجاهل البلاد الفارسية والتركستانية السحيقة لفتحها وإعلاء كلمة الإسلام فيها؛ كيما يأمنوا شرهم وقلاقلهم في بلادهم، فإنهم طالما التحقوا بالزعماء النافخين في بوق الانفصال عن المركزية الأموية والداعين إلى نصرة آل البيت والمطالبة بحقهم في الخلافة، وصرح لهم الحجاج - مندوب عبد الملك السامي في العراق - بهذه الحقيقة علنا، فذكر لهم أن الدواء الناجع لقتل جرثومة الفوضى والثورة هو إرسالهم للفتح والغزو، فتستثمر الدولة قواهم الكامنة في الأعمال الصالحة بدلا من تحميلها ما لا قبل لها به من الفساد فقال: «يا أهل العراق إني لم أجد لكم دواء أدوأ لدائكم من هذه المغازي والبعوث، لولا طيب ليلة الإياب وفرحة القفل فإنها تعقب راحة، وإني لا أريد أن أرى الفرح عندكم ولا الراحة بكم، وما أراكم إلا كارهين لمقالتي، إنا والله لرؤيتكم أكره، ولولا ما أريد من تنفيذ طاعة أمير المؤمنين فيكم ما حملت نفسي مقاساتكم ، والصبر على النظر إليكم، والله أسأل حسن العون عليكم.»
21
اتبع الحجاج هذه السياسة فجهز من العراقيين جيشا قويا يبلغ عشرين ألفا لفتح تركستان ومناجزة الأتراك، وقد أسند قيادة هذا الجيش لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث أحد الزعماء الطموحين، فسار إلى بلاد الترك وجعل يفتتح مدنها ويضمها إليه ويبعث إليها عماله ويضع الأرصاد على الشعاب والمسالح في الأمكنة المختلفة، وكان من رأيه أن لا يتقدم ويوغل في الفتح حتى يتعرف المسلمون إليها ويجترئون على طرقها، ثم يمعن فيها بعد ذلك غزوا ويضربها ضربة قاضية، فلا يجازف بأرواح المسلمين ولا يرمي بهم في التهلكة ولا يسوقهم إلى الموت، فغضب الحجاج لهذه الخطة التي سلكها ابن الأشعث فضعف رأيه وكتب له: «... إني لم أعدد رأيك الذي زعمت أنك رأيته رأي مكيدة، ولكني رأيت أنه لم يحملك عليه إلا ضعفك والتياث رأيك، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم والهدم لحصونهم وقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم.»
22
ولم يبعث الحجاج على الكتابة لابن الأشعث بمثل هذه اللغة القاسية إلا السياسة التي تقول بالفتح مهما كلف هذا الفتح من الضحايا، لا سيما إن كانت «على حساب» العراقيين الغاضبين في عرف الحجاج، فعول ابن الأشعث على رفع راية العصيان ورمي أوامر الحجاج عرض الحائط، فاعتلى منبر الخطابة في جيشه وصرح لهم أنه لم يدفعهم إلى المجاهل السحيقة في تركستان حبا بالمحافظة على أرواحهم، وأن خطته التروي في درس أحوال البلاد وجغرافيتها قبل الإقدام على فتحها دفعة واحدة، ثم استنهض هممهم ووصف لهم ما قاساه أسلافهم من المذلة والمهانة، وما أصابوه من الجوع والبؤس، فقال من خطاب له: «يا أيها الناس، إني لكم ناصح ولصلاحكم محب، ولكم في كل ما يحيط بكم نفعه ناظر، وقد كان من رأيي فيما بينكم وبين عدوكم رأي استشرت فيه ذوي أحلامكم وأولي التجربة للحرب منكم فرضوه لكم رأيا، ورأوه لكم في العاجل والآجل صلاحا، وقد كتبت إلى أميركم الحجاج فجاءني منه كتاب يعجزني ويضعفني ويأمرني بتعجيل الوغول بكم في أرض العدو وهي البلاد التي هلكت إخوانكم فيها بالأمس، وإنما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم وآبى إذا أبيتم، فثار إليه الناس فقالوا: لا، بل نأبى على عدو الله ولا نسمع ولا نطيع.»
23
وقام أحد المفوهين من الزعماء المقربين لابن الأشعث وبين للجند طمع الحجاج واهتمامه بالغنائم قبل اهتمامه بأرواح المسلمين، ووجوب بيعتهم لقائدهم الشجاع وجهاد الحجاج بدلا من جهاد عدوهم، فقال: «... إن الحجاج - والله - ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلادا كثيرة اللهوب واللصوب، فإن ظفرتم فغنمتم أكل البلاد وحاز المال وكان ذلك زيادة في سلطانه، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء الذي لا يبالي عنتهم ولا يبقي عليهم، اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا عبد الرحمن، فإني أشهدكم أني أول خالع، فنادى الناس من كل جانب: فعلنا فعلنا، قد خلعنا عدو الله.»
نامعلوم صفحہ