فاصفر وجه الدوق ووقف باهتا يضطرب مغتاظا مما سمع، ولم يبال باسي بما رأى عليه من سمات الغضب، بل عقب وقال: إنك يا مولاي، وإن كنت قد ألقيت بتلك الفتاة الطاهرة النبيلة إلى مهاوي الفجور، غير أنها قد نجت من تلك الوهدة الشائنة، ولكنك لم تبرأ بعد من وصمة جرمك الهائل؛ لأن تلك الفتاة التي نجت من مخالب الموت والعار قد وقعت بما هو أشد من الموت ومن العار.
فقال الدوق وهو يضطرب كريشة بمهب الريح: قل ما أصابها؟ - إن الذي أصابها يا مولاي هو أن رجلا أنقذ شرفها من العار وحياتها من الموت ... ولكنه كافأ نفسه عن هذه الخدمة بما ودت لو لم يكن قدم لها؛ فإن تلك الفتاة التي كانت تدعى الآنسة دي ماريدور قد اضطرت بالرغم منها أن تدعى مدام دي مونسورو؛ حذرا من أن تدعى خليلة الدوق دانجو.
فاصفر وجه الدوق اصفرارا شديدا من الغيظ وقال: أصحيح ما تقول يا كونت؟ - هي الحقيقة بعينها؛ لأن مثلي لا يعرف الكذب أيها الدوق. - إني ما أردت بسؤالي أن أظهر عدم الثقة بكلامك، لكني أوردته على سبيل الإنكار لما أتاه مونسورو؛ لأنه لم يدر في خلدي أن رجلا من أتباعي يجسر على خيانتي ومزاحمتي فيمن أحب. - ولماذا تستنكر ذلك؟ - لأنه منكر بالطبع ... ألعلك كنت تفعل فعله ... لو كنت في مكانه؟ - بل كنت أصنع أحسن من ذلك، أي كنت أحذر سيدي الدوق وأقول له إن شرفه معرض للضياع. - تمهل أيها الكونت واعلم أني لا أحاكم. - هذا خطأ منك، فإنك إذا كنت دوقا، فأنت رجل نبيل أيضا، ومن شروط النبالة الوفاء. - إذا أسألك أن تكون الحكم بيني وبين مونسورو. - أنا؟ - نعم أنت، وأريد أن تحكم بالقسط بيني وبينه، ألا تعد هذا الرجل خائنا لي بعد فعله الشنيع وهو يعلم نواياي؟ - ما هي نواياك؟ - لم تكن نيتي في اختطاف الفتاة واغتصابها، بل كان جل قصدي أن أدعها تحبني مع مرور الأيام.
فابتسم باسي ابتسامة المتهكم وقال: أهذه هي نواياك يا مولاي؟ - نعم، ولقد حافظت على هذه النيات إلى آخر دقيقة، بالرغم من معارضة مونسورو لي فيها. - ماذا أسمع يا مولاي؟ ... ألعل مونسورو كان يدفعك إلى اغتصابها؟ - نعم، وهو الذي اختطفها وبعث بها إلى قصري في بوجي، وهذا كتاب منه سأطلعك عليه لتستدل منه على صحة ما أقول.
ثم غادره الدوق حينا وعاد يحمل رسالة مفضوضة، فألقاها إلى باسي وقال له: اقرأ.
فأخذ الكونت الرسالة بيد ترتجف، وتلا بصوت أجش ما يأتي:
مولاي ...
ليطمئن بال سموكم، فإن الطير قد وقع في الشرك وستنالون ما تبتغونه من غير خطر؛ لأن الفتاة مسافرة في هذا المساء إلى منزل عمتها، حيث تقيم فيه ثمانية أيام، وسأخطفها في الطريق وأبعث بها إلى قصركم في بوجي، فتنالون منها ما تشاءون، وأنا هنا أحول الأنظار عن كل ريب.
خادم سموكم المطيع
مونسورو
نامعلوم صفحہ