فالتبس على باسي كلامها، وقال: ماذا تعنين يا سيدتي بالذي تقولينه؟ وماذا يحملك على الخوف من قدومي؟ - قل الحق بالله يا مولاي، ألم تتبارز بالأمس مع زوجي؟
فدهش باسي وقال: أنا تبارزت مع زوجك؟ - نعم، فلقد خلا بك أمس وكلمك سرا، وإذ كنت من حزب الدوق وكان من حزب الملك، وعداوة هذين الحزبين يعلمها الجميع، فلم يعد لدي ريب أن اختلاءكما ما كان إلا لتعيين موعد المبارزة.
فبالله يا سيدي ألا ما قلت الحق، فإن زوجي قد ذهب مع الملك غير أنه لم يعد، وكيف تبارزتما؟ وأين هو؟ - عجبا إني كنت أتوقع أن تسأليني عن جرحي؟ - أرأيت أني صادقة بزعمي، وأنكما تبارزتما ... فقل لي أهو الذي جرحك؟ - كلا، فإننا لم نتبارز، ومعاذ الله أن يقع عدوان بيني وبين هذا الصديق العزيز، الذي لا بد أن يكون أخبرك بما استحكم بيننا من الوداد. - كيف يخبرني بذلك وأنا لم أره بعد خروجه مع الملك؟ - إذا فإن ما أخبرني به الخدم من عدم رجوعه صحيح! - أجل، فهي الحقيقة بعينها، وإني لم أره منذ تلك الساعة. - فأين هو؟ - إني لا أعلم شيئا، ولذا إني أسألك. - بالله ألا ما قصصت علي هذا الأمر، فإني لا أرى أغرب منه!
فقصت عليه جميع ما تعلمه ويعلمه القراء من أمر الملك له بالذهاب معه إلى اللوفر، ورجوع الحراس الذين بعثهم أبوها مع زوجها بعد أن أقفل القصر.
ولما انتهت من حكايتها قال لها باسي: نعم، لقد فهمت الآن. - ما الذي فهمته؟ - إن الملك قد اصطحب معه زوجك إلى اللوفر، ومتى دخل زوجك إلى اللوفر فلا يخرج منه. - كيف متى دخل لا يخرج؟
فارتبك الكونت وقال: إنك تسأليني أن أبيح لك بأسرار المملكة. - غير أني ذهبت مع أبي إلى القصر، فأخبرنا حراسه أن زوجي قد خرج منه. - هذا ما يؤكد لي أنه لا يزال باقيا فيه. - أتظن ذلك؟ - كلا، بل أؤكده، وإذا شئت فأنت تقدرين أن تؤكدي كما أكدت بذهابك إلى اللوفر. - ألم أقل لك بأني ذهبت إليه، وعما أجابوني به؟ - وأنا أعيد عليك فأقول: أتريدين الذهاب إلى اللوفر؟ - لماذا؟ - لأجمعك بزوجك سانت ليك. - قلت لك إنه خرج من القصر. - وأنا أقول لك إنه لا يزال فيه. - إني لا أجد بحديثك غير ألغاز وأسرار غريبة. - كلا، بل هي أسرار ملكية. - أتقدر أنت على الدخول إلى القصر؟ - ذلك لا ريب فيه؛ لأن ما حظر عليك لا يحظر علي. - إنك تقول الآن بأن دخولي إلى اللوفر محظور علي، كيف تقول لي أن أذهب إليه لأرى زوجي فيه؟ - إني سأدخلك بالحيلة، فأطلعك على مكامن في ذلك القصر لا تستطيعين الدخول إليها وأنت معروفة بامرأة سانت ليك.
وذلك أني يصحبني إلى اللوفر كلما دخلت إليه ، خادم في مقتبل الشباب، لا نبات بعارضيه، وهو يشبهك بقوامه وبعينيه، فهل فهمت الحيلة؟
فاحمر وجهها وقالت: ما هذا الجنون؟ ألا تحسب ذلك طيشا؟ - كلا، بل هو عين الحكمة؛ لأنه ليس لدي طريقة أفضل من هذه، ولك الخيار بين الرفض والقبول، فافتكري وأجيبي ... أتريدين أن تري زوجك؟ - إني أبذل كل عزيز للوصول إليه. - أما أنا فسأوصلك إليه ... من غير أن أكلفك بذل أي شيء. - ولكن افتكر بالعاقبة. - قد افتكرت بكل شيء، فإن أحببت فأنا أذهب بك إلى زوجك ولا خوف عليكما. - وأنا قد قبلت ... غير أنه يجب أن أتزيا بزي خادمك هذا. - ذلك لا ريب فيه، وسأبعث إليك في هذا المساء بثوب من ثيابه، فترتدين به وتخرجين من المنزل وحدك إلى شارع بروفار، حيث أكون بانتظارك. - وبعد ذلك؟ - وبعدها نذهب إلى اللوفر سوية.
فوضعت يدها بيده وجعلت تضحك وهي تقول: إن هذا الفكر مضحك يا كونت. - نعم، وستضحك منه أوروبا بأسرها، بل سيضحك منه الملك نفسه بعد أن تهدأ ثورة غضبه.
وأنا شاكر لك ثقتك بي، وستجتمعين بزوجك بالرغم من الملك وعن أصفيائه.
نامعلوم صفحہ