وماذا علينا لو تركنا السهام والمشاعل والجعاب، ولذنا بعيدا بأشياء أبرد ظلا وأحنى؟ ... وماذا علينا بدلا من أن نرتشف ماء ليس به طعم في قدح صغير رقيق من الذهب لو تركنا النفس تشفي غليلها، وتعب في بحبوحة النهر الزاخر.
روكسان :
وما قولك في البلاغة؟
سيرانو :
إذا كنت قد استعنتها على مشاغلتك في البداية، فاليوم حاشا أن أتخذها مستعارا؛ لأن ذلك سبة بل إهانة، لهذا الليل النفاح، والعبق الفواح، والطبيعة البليغة في ذاتها لا حاجة بها إلى البلاغة وأدواتها، ولا إلى الكلمات المنمقة المصقولة التي تزدان بها كتب العاطفة ورسالاتها، انظري إلى كواكبها، وتطلعي إلى مسابحها في الفلك ومذاهبها ... إن النظر إلى الطبيعة ينزع من نفوسنا كل بهرج وزيف، وإن أخشى ما أخشاه أن كيمياءنا المستعذبة من صناعة وبيان قد يتلاشى فيها محض الشعور وخالصه، وقد لا تلبث النفس بهذه الحيل والخدع الفارغة أن تضمحل وتذوي، فيكون كسبنا لهذه الأشياء المصنوعة الزاهية هو في الواقع خسارتنا لكل شيء.
روكسان :
قل لي أيضا ما البلاغة؟
سيرانو :
البلاغة في الحب جريمة، والالتجاء إلى كلامها الرشيق، وتعبيرها المنمق بغيض إلى النفس الصادقة كريه؛ لأنها أدنى في حلبة الحب الصادق الصريح إلى ملاكمة، أو مجالدة، أو معركة سلاحها الألفاظ ... أو مباراة كلامية أداتها الكنية والمجاز، ودقة الاستعارة، فعلام الفزع إلى البلاغة إذا كانت اللحظة المحتومة لا بد آتية في النهاية، وإلا فيا ويح الذين لا يعرفون تلك اللحظة السماوية، اللحظة التي يمضي فيها الحب الزاخر في قلوبنا مطهرا سائر نواحينا، وتصبح كل كلمة مختارة، أو تشبيه، أو استعارة، تافهة لا قيمة لها ولا اعتبار.
روكسان :
نامعلوم صفحہ