فقيل هو تغيير لا يلزم ولا يكسر الوزن. ونقضه ابن واصل بالتشعيث فإنه لا يلزم ولا يكسر الوزن، مع أنه ليس زحافا ضرورة أنه تغيير في الوتد، والزحاف لا يكون في وتد. قلت: ليس اختصاص الزحاف بالاسباب متفقًا عليه حتى يرد النقض بالتشعيث، فكثير ذهب إلى أن الخرم زحاف مع أنه تغيير في الوتد.
فإن قلت: لكنه يكسر الوزن فلا يرد عليه، قلت: لا نسلم أنه يكسر الوزن، إذ لو كسره لخرج ما دخل فيه عن أن يكون شعرًا ضرورة أن كل شعر لابد أن يكون موزونًا بوزن صحيح، واللازم باطل.
وقيل: الزحاف تغيير عدمه أحسن من وجوده، ونقض بقبض (فعولن) التي قبل الضرب الثالث من الطويل، فإنه أحسن من عدم القبض اتفاقا مع أنه زحاف.
وقيل: هو الذي وجوده في الشعر أكثري. ونقض بالتشعيث فإنه أكثر من عدمه في الخفيف. قلت: قد يمنع كونه أكثريًا فيه.
وقيل: هو حذف ساكن السبب الخفيف. ونقض بالإضمار والعصب والعقل، فإن كلًا منها زحاف، وليس تغييرًا لثاني سبب خفيف.
وسمي هذا التغيير زحافا، وزحفًا، لما يحدث به في الكلمة من الإسراع بالنطق بحروفها لما نقص منها. مأخوذ من قولهم زحف إلى الحرب وغيرها إذا أسرع النهوض إليها. قال امرؤ القيس:
فأقبلتُ زَحفًا على الركبتينِ ... فثوبًا نسيتُ وثوبًا أجُرّْ
قال بعضهم: إنما كان الزحاف خاصا بالأسباب دون الأوتاد لأن الزحاف أكثر ورودًا في الشعر من العلل، والوتد أثبت من السبب كثير الاضطراب، فإذا زوحف السبب اعتمد على الوتد، فلو زوحف الوتد لضعف اعتماده لضعف الوتد.
وقد تقدم أن بيت الشعر كبيت الشعر، فكلما أن السبب في بيت الشعر يضطرب، وإنما يعتمد على الوتد لأنه يمسكه، كذلك هو في بيت الشعر، ولأن الأسباب أكثر ورودًا في الأجزاء من الأوتاد. ألا ترى أن الواقع من الأسباب في الأجزاء العشرة ثمانية عشر، في كل واحد من الخماسيين سبب، وفي كل واحد من السباعية سببان، وليس فيهما من الأوتاد غير عشرة فقط، في كل جزء وتد، والزحاف أكثر ورودًا في الشعر فجعلوا الأكثر ورودًا للأكثر وجودًا قصدًا للتخفيف.
وإنما اختصت ثواني الأسباب بالزحاف دون أوائلها لأن الأوائل لو زوحفت لأدى إلى الابتداء بالساكن في السبب الخفيف مطلًا، وفي الثقيل إذا أضمر، ووقع أول البيت.
وإذا علمت أن الزحاف إنما يلحق ثاني السبب لزم من ذلك أن أول الجزء وسادسه وثالثه لا يدخلها زحاف ضرورة أن الأول ليس ثاني سبب قطعا، والسادس إما أول سبب أو ثاني وتد، والثالث إما أول سبب أو ثالث وتد، أو أوله.
وإلى ذلك أشار بالألف والواو والجيم من قوله (فأوج)، فأشار بالألف إلى الحرف الأول من الجزء، وبالواو إلى سادسه، وبالجيم إلى ثالثه، وأتى بالفاء السببية إشعارًا بأن احتماء هذه المحال المرموز لها من الزحاف مسبب عن كونه عبارةً عن تغيير ثاني السبب، فتأمل.
ووقع في شرح العصري الذي كنا أسلفنا ذكره عند الكلام على قوله (أولات عد حزء لجزء ثنا ثنا) ما نصه: (يقول إن الزحاف المنفرد مختص في الحشو بالسبب، ولا يكون إلا في ثانية، وإلى ذلك أشار بقوله (فأوج الجزء من ذلك احتمى)، يعني أعلاه الذي أوله، فلم يشعر بأن أحرف (أوج) رمز لأول الجزء وسادسه وثالثه كما سبق. والظاهر أن هذه الأحرف كتبت في نسخته التي وقف عليها بالسواد ولم تكتب بالحمرة التي يكتب بها الرمز عادةً فوهم ولم يتنبه.
قال:
وذلك بالإسكانِ والحذفِ فيهما ... يَعُمُّ علي الترتيب فاقضِ على الوَلاَ
أقول: يعني أن تغيير ثاني السبب يكون تارةً بالإسكان، وتارةً بحذف الساكن، وتارةً بحذف المتحرك. فالضمير من قوله (فيهما) عائدٌ على الساكن والمتحرك المفهومين من السياق، وذلك لأن ثاني السبب يكون ساكنًا ويكون متحركًا.
وقوله (يعم على الترتيب) يعني أن هذا التغيير يعم ثواني الأسباب على الترتيب الذي يقتضيه الانتقال من الخفيف إلى ما بعده، فتبدأ بإسكان المتحرك، ثم تنتقل منه إلى حذف الساكن، ثم إلى حذف المتحرك، وذلك لأن الإسكان حذف حركة، وهو أخف من حذف الحرف فتبدأ به، وحذف الساكن أخف من حذف المتحرك فيكون بعد الإسكان، وتنتقل منه إلى حذف المتحرك، فإذا جاءتك ألقاب فاحكم بأن الأول منها للأخف، والثاني لما بعده، والثالث لما بعدهما، وهو معنى قوله (فاقض على الولا) .
قال:
1 / 24