وعلم أيضًا أنه لا شيء من المجزوء والمشطور والمنهوك تام ولا واف ضرورة أن التمام والوفاء يستدعيان استكمال أجزاء الدائرة، وهو مع كل واحد من الأمور الثلاثة مفقود.
وعلم أن في كلام الناظم لفًا ونثرًا مرتبًا، وضربًا من الإجمال، لأن ما فوق النصف ليس متعينًا للثلثين بخصوصه، وإهمال قيد فإن الجزء ليس إذهاب جزأين من البيت أياما كاتا، بل لابد أن يكون أحدهما آخر الصدر والآخر آخر العجز. وانظر هل في قوله (جزأيه) بالإضافة إلى ضمير البيت ما يشعر بهذا القيد.
وقد أخل الناظم ﵀ ببيان مواقع هذه الألقاب من البحور فقلت مكملا للفائدة على طريقته.
فلِلجَزء حتما وبلُ من فإنْ تُرِد ... جوازًا فجّهز حدسَ كفءٍ أخى ذَكا
ومعناه أنّ البحرَ يمكن نظُمُه ... عَريًِا عن الجزء الذي فيه قد جَرَى
ولكنْ إذا ما حَلَّ بيتًا فإنهُ ... يكون بباقي النظم حتمًا بلا مِرَا
وفي سابعٍ والتاسع الشطرُ سائغٌ ... وجوّز أيضًا نَهكَ زيغٍ ذوُو الهُدى
وما منهما عند العروضيّ واجبٌ ... فكُن فطِنًا واترك سبيلض من اعتدى
أما الجزء فلا يدخل في الطويل ولا في السريع ولا في المنسرح، وبقية البحور يدخل في بعضها على سبيل الجواز وفي بعضها على سبيل الوجوب، ولا نعني بالجواز أنه يدخل في بعض أبيات القصيدة الواحدة ويترك في بعضها، ولكن معناه أن الشاعر لا يتعين عليه أن ينظم ذلك البحر مجزوءًا بل الأمر موكول إلى خيرته، فإن شاء جزأه وإن شاء ترك الجزء، وكنه إذا فعل أحد الأمرين المخير فيهما وهو الجزء في بيت من قصيدة لزمه استعماله في بقية الأبيات من تلك القصيدة، وهذا هو المراد بقولي (ومعناه أن البحر يمكن نظمه) إلى آخر البيتين.
إذا تقرر ذلك فالأبحر التي يدخل فيها الجزء على سبيل الوجوب خمسة، وهي البحر السادس وهو الهزج، وإليه الإشارة بالواو من قولي (وبل من) والبحر الثاني وهو المديد المشار إليه بالباء، والبحر الثاني عشر وهو المضارع المشار إليه باللام، والبحر الثالث عشر وهو المقتضب المشار إليه بالميم، والبحر الرابع عشر وهو المجتث المشار إليه بالنون.
والأبحر التي يدخلها الجزء جوازًا سبعة وهي البحر الثالث وهو البسيط المشار إليه بالجيم من قولي (جهز حدس كفء) .
والبحر الخامس وهو الكامل المشار إليه بالهاء، والبحر السابع وهوالرجز المشار إليه بالزاي، والبحر الثامن وهو الرمل المشار إليه بالحاء، والبحر الرابع وهو الوافر المشار إليه بالدال، والبحر الخامس عشر وهو المتقارب المشار إليه بالسين، والبحر الحادي عشر وهو الخفيف المشار إليه بالكاف، وأما الشطر والنهك فلا شيء منهما بواجب، وإنما يدخلان على سبيل الجواز بالمعنى الذي تقدم، وإليه الإشارة بقولي (فكن فطنا)، أي تفطن لمعنى الجواز مما قررناه أولًا.
فالشطر يكون في البحر السابع وهو الرجز، وفي البحر التاسع وهو السريع. والنهك يدخل في بحرين وهما البحر السابع وهو الرجز المشار إليه بالزاي من (زيغ)، والبحر العاشر وهو المنسرح المشار إليه بالياء.
الزحاف المنفرد
وتغيير ثاني حرفي السبب ادعه ... زحافًا فأوج الجزء من ذلك احتمى
أقول: التغيير الذي يلحق أجزاء التفاعيل على نوعين، نوع يسمى بالزحاف، ونوع يسمى بالعلة. وبعض العروضيين يزيد نوعًا آخر وهو اعلة الجارية مجرى الزحاف.
وعندي أن ثم قسمًا رابعًا وهو زحاف يجري مجرى العلة. ألا ترى أن القبض مثلًا من أنواع الزحاف ويدخل في عروض الطويل على وجه اللزوم، فهو زحاف من حيث هو تغيير لحق ثاني السبب، وجرى مجرى العلة من حيث لزومه.
إذا تقرر ذلك فالزحاف تغيير يلحق ثاني السبب. هذا هو الذي ارتضاه بعض الحذاق في تعريفه، وعليه مشى الناظم. وقد علمت أنه يلزم عليه أن يكون القبض في عروض الطويل زحافا، وكذا خبن عروض البسيط الأولى وضربها الأول، وهو باطل. وقد يجاب عنه بالتزام كونه زحافا من حيث هو تغيير لثاني السبب ولكنه جرى مجرى العلة من حيث هو لازم كما مر.
وقد عرف الزحاف بتعريفات أخر غير هذا وكلها مدخول.
1 / 23