ربهم أبدا بخلاف صاحب هذه الميزان فإنه جالس على منصة في سرور وطمأنينة كالسلطان حاكم بمرتبتي ميزانه على كل قول من أقوالهم لا يرى قولا واحدا من أقوالهم خارجا عن مرتبتي الميزان من تخفيف أو تشديد بل يرى الشريعة قابلة لكل ما قالوه لوسعها فاعمل يا أخي بهذه الميزان وعلمها لإخوانك من طلبة المذاهب الأربعة ليحيطوا بها علما أن لم يصلوا إلى مقام الذوق لها بطريق الكشف كما أشار إليه قوله تعالى فإن لم يصبها وابل فطل وليفوزوا أيضا بصحة اعتقادهم في كلام أئمتهم ومقلديهم ويطابقوا بقلوبهم قولهم باللسان إن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم إن لم يكن ذلك كشفا ويقينا فليكن إيمانا وتسليما فعليكم أيها الإخوان باحتمال الأذى ممن يجادلكم في صحة هذه الميزان قبل ذوقها وقبل أن تحضروه معكم حال قراءتها على علماء المذاهب الأربعة فإنه معذور لا يكاد يسلم لكم صحتها لغرابتها وربما وافق مذاهب الحاضرين هيبة لهم ورد المذهب الذي لم يكن أحد من مقلديه حاضر العدم من ينتصر لذلك المذهب وفي ذلك دلالة على مراعاته وجوه المخلوقين نسأل الله العافية وبما قررناه لك يا أخي انتهت الميزان الشعرانية المدخلة لجميع أقوال الأئمة المجتهدين ومقلديهم في الشريعة المحمدية نفع الله بها المسلمين وقد حبب لي أن أذكر لك يا أخي قاعدة هي كالمقدمة لفهم هذه الميزان بل هي من أقرب الطرق إلى التسليم لها وذلك أن تبني أساس نظرك أولا على الإيمان بأن الله تعالى هو العالم بكل شئ والحكيم في كل شئ أزلا وأبدا لما أبدع هذا العالم وأحكم أحواله وميز شؤونه وأتقن كماله أظهره على ما هو مشاهد من الاختلاف الذي لا يمكن حصره ولا ينضبط أمره متغايرا في الأمزجة والتراكيب مختلفا في الأحوال والأساليب على حكم ما سبق به علم الله القديم وعلى وفق ما نفذت به إرادة العليم الحكيم * فجاء على هذه الأوضاع والتآليف واستقر أمره على ما لا تنتهي إليه غاياته من الشؤون والتصاريف * وكان من جملة بديع حكمته وعظيم آلائه وعميم رحمته إن قسم عباده إلى قسمين شقي وسعيد * واستعمل كلا منهما فيما خلق له من متعلق الوعد أو الوعيد * وأوجد لكل منهما في هذه الدار بحكم عدله وسعة أفضاله ما يصلح لشأنه في حاله وما له من محسوسات صورها * ومعنويات قدرها ومصنوعات أبدعها وأحكام شرعها * وحدود وضعها وشؤون أبدعها * فتمت بذلك أمور المحدثات * وانعقد بذلك نظام الكائنات * وكمل بذلك شأني الزمان والمكان حتى قيل إنه ليس في الامكان * أبدع مما كان * قال تعالى في كتابه القديم لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم على أنه سبحانه وتعالى لم يجعل كل نافع نافعا مطلق ولا كل ضار ضارا مطلقا بل ربما نفع هذا ما ضر هذا وضر هذا ما نفع هذا وربما ضر هذا في وقت ما نفعه في وقت آخر ونفع هذا في وقت ما ضره في وقت آخر كما هو مشاهد في الموجودات الحسية والمدركات المعنوية لمعان جلت عن الادراك بالأفكار وأسرار خفيت إلا على من أراده عالم الأسرار ومن هنا يتحقق إن كلا ميسر لما خلق له وإن ذلك إنما هو لإتمام شؤون الأولين والآخرين * وإن الله هو الغني عن العالمين * وحيث تقررت لك يا أخي هذه القاعدة العظيمة علمت أن الله تعالى لم يمكر بسعيد من حيثما كلفه أبدا وإن اختلاف أئمة هذه الأمة في فروع الدين أحمد عاقبة وأقوم رشدا
صفحہ 7