جاز ترك الأفضل والمفضول أصالة فمن أراد عدم اللوم فلا ينزل إلى المفضول إلا أن عجز عن الأفضل فامتحن يا أخي بهذه الميزان جميع الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنة وما انبنى وتفرع على ذلك من جميع أقوال الأئمة المجتهدين ومقلديهم إلى يوم الدين تجدها كلها لا تخرج عن مرتبتي تخفيف وتشديد ولكل منهما رجال كما سبق ومن تحقق بما ذكرنا ذوقا وكشفا كما ذقناه وكشف لنا وجد جميع أقوال الأئمة المجتهدين ومقلديهم داخلة في قواعد الشريعة المطهرة ومقتبسة من شعاع نورها لا يخرج منها قول واحد عن الشريعة وصحت مطابقة قوله باللسان إن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم لاعتقاد ذلك بالجنان وعلم جزما ويقينا إن كل مجتهد مصيب ورجع عن قوله المصيب واحد لا بعينه كما سيأتي إيضاحه في الفصول إن شاء الله تعالى وارتفع التناقض والخلاف عنده في أحكام الشريعة وأقوال علمائها لأن كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يجل عن التناقض وكذلك كلام الأئمة عند من عرف مقدارهم واطلع على منازع أقوالهم ومواضع استنباطاتها فما من حكم استنبطه المجتهد إلا وهو متفرع من الكتاب أو السنة أو منهما معا ولا يقدح في صحة ذلك الحكم الذي استنبطه المجتهد جهل بعض المقلدين بمواضع استنباطاته وكل من شهد في أحاديث الشريعة أو أقوال علمائها تناقضا لا يمكن رده فهو ضعيف النظر ولو أنه كان عالما بالأدلة التي استند إليها المجتهد ومنازع أقواله لحمل كل حديث أو قول ومقابله على حال من إحدى مرتبتي الشريعة فإن من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الناس على قدر عقولهم ومقامهم في حضرة الإسلام أو الإيمان أو الاحسان وتأمل يا أخي في قوله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا الآية تحط علما بما قلناه وإلا فأين خطابه لأكابر الصحابة من خطابه لأجلاف العرب وأين مقام من بايعه صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره والمعسر والميسر ممن طلب أن يبايعه صلى الله عليه وسلم على صلاة الصبح والعصر فقط دون غيرهما من الصلوات ودون الزكاة والحج والصيام والجهاد وغيرها وقد تبع الأئمة المجتهدون ومقلدوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فما وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شدد فيه عادة شددوا فيه أمرا كان أو نهيا وما وجدوه خفف فيه خففوا فيه فاعتمد يا أخي على اعتقاد ما قررته وبينته لك في هذه الميزان ولا يضرك غرابتها فإنها من علوم أهل الله تعالى وهي أقرب إلى طريق الأدب مع الأئمة مما تعتقده أنت من ترجيح مذهب على مذهب بغير طريق شرعي وأين قول من يقول إن سائر أئمة المسلمين أو الأئمة الأربعة الآن على هدى من ربهم ظاهرا وباطنا ممن يقول ثلاثة أرباعهم أو أكثر على غير الحق في نفس الأمر * وإن أردت يا أخي أن تعلم نفاسة هذه الميزان وكمال علم ذائقها بالشريعة من آيات وأخبار وآثار وأقوال فأجمع لك أربعة من علماء المذاهب الأربعة واقرأ عليهم أدلة مذاهبهم وأقوال علمائهم وتعاليلهم التي سطروها في كتبهم وانظر كيف يتجادلون * ويضعف بعضهم أدلة بعض وأقوال بعض وتعلو أصواتهم على بعضهم بعضا حتى كان المخالف لقول كل واحد قد خرج عن الشريعة ولا يكاد أحدهم يعتقد ذلك الوقت إن سائر أئمة المسلمين على هدى من
صفحہ 6