له ذوق في الطريق ليعلمك الاخلاص والصدق في العلم والعمل ويزيل عنك جميع الرعونات النفسية التي تعوقك عن السير وامتثل إشارته إلى أن تصل إلى مقامات الكمال النسبي وتصير ترى الناس كلهم ناجين إلا أنت فترى نفسك كأنك هالك فإن سلكت كذلك ضمنت لك إن شاء الله تعالى وصولك في أسرع زمان عادة إلى شهود عين الشريعة الأولى التي يتفرع منها قول كل عالم وأما سلوكك بغير شيخ فلا يسلم غالبا من الرياء والجدال والمزاحمة على الدنيا ولو بالقلب من غير لفظ فلا يوصلك إلى ذلك ولو شهد لك جميع أقرانك بالقطبية فلا عبرة بهذه الشهادة وقد أشار إلى ذلك الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات فقال من سلك الطريق بغير شيخ ولا ورع عما حرم الله تعالى فلا وصول له إلى معرفة الله تعالى المعرفة المطلوبة عند القوم ولو عبد الله تعالى عمر نوح عليه الصلاة والسلام ثم إذا وصل العبد إلى معرفة الله تعالى فليس وراء الله مرمى ولا مرقى بعد ذلك فهناك يطلع كشفا ويقينا على حضرات الأسماء الإلهية ويرى جميع اتصال أقوال العلماء بحضرة الأسماء ويرتفع الخلاف عنده في جميع مذاهب المجتهدين لشهوده اتصال جميع أقوالهم بحضرة الأسماء والصفات لا يخرج عن حضرتها قول واحد من أقوالهم انتهى وهذا نظير ما قدمناه في عين الشريعة الكبرى * وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول إذا انتهى سلوك المريد انحلت عنه عقدة التفضيل بالفهم وتمسك بمعرفة معنى قوله تعالى لا نفرق بين أحد من رسله وعرف هناك إن كل من فضل بعقله بعض الرسل على بعض من غير كشف صحيح فقد فرق بخلاف من فضل بالكشف فإنه يشهد وحدة الأمر ويرى عين الجمع هي عين الفرق كما أن السالك من طلبة العلم يسلك حنفيا أو حنبليا مثلا مقتصرا على مذهب واحد بعينه يدين الله تعالى به لا يرى مخالفته فينتهى به هذا المشهد إلى مقام بصير يتعبد نفسه فيه بجميع المذاهب من غير فرقان أي لشهوده اغتراف جميع المذاهب من عين واحدة انتهى كلام الشيخ وهو شاهد عظيم للميزان مقرر للقولين في مسألة هل كل مجتهد مصيب أم لا فعلم أن كل من كان في حال السلوك فهو لم يقف على العين الأولى فلا يقدر على أن يتعقل إن كل مجتهد مصيب بخلاف من انتهى سلوكه فإنه يشهد يقينا إن كل مجتهد مصيب وحينئذ يكثر الانكار عليه من عامة المقلدين متى صرح لهم بما يعتقده لحجابهم عن شهود المقام الذي وصل إليه فهم معذورون من وجه غير معذورين من وجه آخر حيث لم يردوا صحة علم ذلك إلى الله تعالى فإنه ما ثم لنا دليل واضح يرد كلام أهل الكشف أبدا لا عقلا ولا شرعا لأن الكشف لا يأتي إلا مؤيد بالشريعة دائما إذ هو إخبار بالأمر على ما هو عليه في نفسه وهذا هو عين الشريعة * وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول العلوم اللدنية كلها من أنواع علوم الخضر عليه السلام ولا يخفى عليكم ما وقع من إنكار السيد موسى عليه الصلاة والسلام ولكن لما سكت موسى عن إنكاره عليه آخر الأمر علمنا أن موسى عليه الصلاة والسلام أطلعه الله على ما أطلع عليه الخضر عليه السلام وإلا فما كان يسوغ له السكوت على ما يراه منكرا عنده فإن خرق سفينة قوم بغير إذنهم خوفا أن يسخرها ظالم أو قتل غلام خوفا أن يرهق أبويه طغيانا وكفرا لا تجوز مثله الشريعة انتهى وقد أشار إلى
صفحہ 34