العلماء يوم القيامة وأخذوا بيده وتبسموا في وجهه وصار كل واحد يبادر إلى الشفاعة فيه ويزاحم غيره على ذلك ويقول ما يشفع فيه إلا أنا ويا ندامة من قصر في السلوك ولم يصل إلى شهود العين الأولى من الشريعة ويا ندامة من قال المصيب واحد والباقي مخطئ فإن جميع من خطأهم يعبسون في وجهه لتخطئته لهم وتجريحهم بالجهل وسوء الأدب وفهمه السقيم فاسع يا أخي إلى الاشتغال بالعلم على وجه الاخلاص والورع والعمل بكل ما علمت حتى تطوى لك الطريق بسرعة وتشرف على مقام المجتهدين وتقف على العين الأولى التي أشرف عليها إمامك وتشركه في الاغتراف منها فما كنت متبعا له حال سلوكك مع حجابك عن العين التي يستمد منها كذلك تكون متبعا له في الاغتراف من العين التي اغترف منها ثم إذا حصلت ذلك المقام فاستصحب شهود العين الأولى وما تفرع منها في سائر الأدوار تصر توجه جميع أقوال العلماء ولا ترد منها قولا واحدا إما لصحة دليل كل واحد منهم عندك من تخفيف أو تشديد وإما لشهودك صحة استنباطاتهم واتصالها بعين الشريعة وإن نزلت في آخر الأدوار فرجع الأمر في ذلك كله إلى مرتبتي الشريعة من تخفيف وتشديد ولكل منهما رجال وقد كان الإمام أحمد يقول كثرة التقليد عمى في البصيرة كأنه يحث العلماء على أن يأخذوا أحكام دينهم من عين الشريعة ولا يقنعوا بالتقليد من خلف حجاب أحد من المجتهدين فالحمد لله الذي جعلنا ممن يوجه كلام جميع علماء الشريعة ولا يرد من أقوالهم شيئا لشهودنا اتصال أقوالهم كلها بعين الشريعة ويؤيدنا حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم انتهى وهذا الحديث وإن كان فيه مقال عند المحدثين فهو صحيح عند أهل الكشف ومعلوم أن المجتهدين على مدرجة الصحابة سلكوا فلا تجد مجتهد إلا وسلسلته متصلة بصحابي قال بقوله أو بجماعة منهم فإن قلت فلأي شئ قدم العلماء كلام المجتهدين من غير الصحابة على كلام آحاد الصحابة مع أن المجتهدين من فروعهم فالجواب إنما قدم العلماء كلام المجتهد غير الصحابي على كلام الصحابي في بعض المسائل لأن المجتهد لتأخره في الزمان أحاط علما بجميع أقوال الصحابة أو غالبهم فرجع الأمر في ذلك إلى مرتبتي الميزان من تخفيف وتشديد لأن ما عليه جمهور الصحابة أو بعضهم لا يخرج عن ذلك * وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله تعالى يقول مرارا عين الشريعة كالبحر فمن أي الجوانب اغترفت منه فهو واحد وسمعته أيضا يقول إياكم أن تبادروا إلى الانكار على قول مجتهدا وتخطئته إلا بعد إحاطتكم بأدلة الشريعة كلها ومعرفتكم بجميع لغات العرب التي احتوت عليها الشريعة ومعرفتكم بمعانيها وطرقها فإذا أحطتم بها كما ذكرنا ولم تجدوا ذلك الأمر الذي أنكرتموه فيها فحينئذ لكم الانكار والخير لكم وأنى لكم بذلك فقد روى الطبراني مرفوعا أن شريعتي جاءت على ثلاثمائة وستين طريقة ما سلك أحد طريقة منها إلا نجا انتهى والحمد لله رب العالمين * (فصل) * إن أردت يا أخي الوصول إلى معرفة هذه الميزان ذوقا وتصير تقرر مذاهب المجتهدين ومقلديهم كما يقررها أصحابها فاسلك كما مر طريق القوم والرياضة على يد شيخ صادق
صفحہ 33