أئمة الوصول والنحو والمعاني والبيان ونحو ذلك من توابع الشريعة هل هي كذلك على مرتبتي الميزان من تخفيف وتشديد كالأحكام الشرعية أم لا فالجواب نعم هي كذلك لأن آلات الشريعة كلها من لغة ونحو وأصول وغير ذلك ترجع إلى تخفيف وتشديد فإن من اللغات وكلام العرب ما هو فصيح وأفصح ومنها ما هو ضعيف وأضعف فمن كلف العوام مثلا اللغة الفصحى في غير القرآن أو الحديث فقد شدد عليهم ومن سامحهم فقد خفف وأما القرآن والحديث فلا يجوز قراءته باللحن إجماعا إلا إذا لم يمكن اللاحن التعليم لعجز لسانه كما هو مقرر في كتب الفقه ومن أمر الطالب أيضا بالتبحر في نحو علم النحو فقد شدد ومن اكتفى منه بمعرفة الإعراب الذي يحتاج إليه عادة فقد خفف وقد ينقسم تعلم هذه العلوم إلى فرض كفاية وإلى فرض عين فمثال فرض الكفاية ظاهر ومثال فرض العين في ذلك أن يخرج للشريعة مبتدع يجادل علماءها في معاني القرآن والحديث فإن تعلم هذه العلوم حينئذ يكون في حق العلماء الذين انحصر الاحتياج إليهم في مجلس المناظرة فرض عين فإن لم يخرج للشريعة مبتدع أو خرج ولم يتعين على جماعة كان تعلم هذه العلوم في حق غير من عليه من العلماء فرض كفاية فإن الشريعة كالمدينة العظيمة وهذه العلوم كالمنجنيقات التي على سورها تمنع العدو من الدخول إليها ليفسد فيها فافهم فإن قلت فما الحكم فيما إذا وجد الطالب حديثين أو قولين أو أقوالا يعرف الناسخ من الحديثين ولا المتأخر من القولين أو الأقوال فماذا يفعل فالجواب سبيله أن يعمل بهذا الحديث أو القول تارة وبالقول الآخر تارة ويقدم الأحوط منهما على غيره في الأمر والنهي بشرطه بمعنى أنه يترك العمل بغيره جملة وإن كان أحدهما منسوخا أو رجع عنه المجتهد في نفس الأمر فذلك لا يقدح في العمل به فإن قلت قد تقدم أن الولي الكامل لا يكون مقلدا وإنما يأخذ علمه من العين التي أخذ منها المجتهدون مذاهبهم ونرى بعض الأولياء مقلدا لبعض الأئمة فالجواب قد يكون ذلك الولي لم يبلغ إلى مقام الكمال أو بلغه ولكن أظهر تقيده في تلك المسألة بمذهب بعض الأئمة أدبا معه حيث سبقه القول بها وجعله الله تعالى إماما يقتدى به واشتهر في الأرض دونه وقد يكون عمل ذلك الولي بما قال به ذلك المجتهد لاطلاعه على دليله لا عملا بقول ذلك المجتهد على وجه التقليد له بل لموافقته لما أدى إليه كشفه فرجع تقليد هذا الولي للشارع لا لغيره وما ثم ولي يأخذ علما إلا عن الشارع ويحرم عليه أن يخطو خطوة في شئ لا يرى قدم نبيه أمامه فيه وقد قلت مرة لسيدي على الخواص رضي الله عنه كيف صح تقليد سيدي الشيخ عبد القادر الجبلي للإمام أحمد بن حنبل وسيدي محمد الحنفي الشذلي للإمام أبي حنيفة مع اشتهارهما بالقطبية الكبرى وصاحب هذا المقام لا يكون مقلدا إلا للشارع وحده فقال رضي الله عنه قد يكون ذلك منهما قبل بلوغهما إلى مقام الكمال ثم لما بلغا إليه استصحب الناس ذلك اللقب في حقهما مع خروجهما عن التقليد انتهى فاعلم ذلك * (فصل) * فإن قلت إن الأئمة المجتهدين قد كانوا من الكمل بيقين لاطلاعهم على عين الشريعة كما تقدم فكيف كانوا يعقدون مجالس المناظرة مع بعضهم بعضا مع أن ذلك ينافي
صفحہ 26