سألتني أين أسكن فقلت لها. أشارت إلى الطابق الأعلى قائلة إنها تسكن هنا مع زوجها. شعرت بالضيق. سألتها عن عمله، فقالت إنه ضابط في الجيش. أضافت بعد قليل أنها ابنة لكونتيسة أعدمت خلال الثورة منذ ست سنوات؛ فاضطرت لأن تكسب عيشها بالعمل، واشتغلت بائعة قبعات، ثم تعرفت بالضابط وأحبته وتزوجا. أضافت وفي عينيها نظرة حالمة: ارتديت نقابا شفافا، واستقللنا مركبة مغطاة بالورود البيضاء.
حكت لي ضاحكة كيف جاءت مصر؛ فعندما انضم زوجها إلى الحملة أرادت مرافقته، لكن بونابرته منع سفر الزوجات والعشيقات، فتنكرت في زي رجل، ارتدت حذاء عسكريا وسراويل وصدرية ومعطفا، وأخفت شعرها الطويل تحت القلنسوة العسكرية المثلثة الشكل واستقلت السفينة مع زوجها من طولون.
قالت: لا أنسى كيف وقف بونابرته بضفيرته القصيرة وخصلات شعره الجانبية المنسدلة على كتفيه. خطب في الجنود المبحرين إلى مصر واعدا كلا منهم بستة أفدنة. كانت لعيونه اللامعة تأثير السحر على العسكر.
سألتها عنه، فقالت بشيء من الافتخار إنه ضابط مدفعية، نال رتبة الجنرال وعمره 24 سنة لاستيلائه على مدينة طولون من الإنجليز. وبعد ذلك بثلاث سنوات أنقذ الجمهورية من ثورة الغوغاء، وقضى عليهم بلا رحمة؛ وكافأته الحكومة بإعطائه قيادة الجيوش الفرنسية في إيطاليا، فجعلته انتصاراته بطلا قوميا.
كنت قادرا على متابعة لغتها. ولم أرفع عيني عن شفتيها.
سألتها: هل التقيت به وجها لوجه؟
التمعت عيناها، وقالت: ليس بعد.
قلت: يبدو أنه عبقري آخر.
لم تعبأ بسخريتي وقالت بحماس: أنت لا تعرف الأسئلة التي يوجهها للعلماء: هل في الإمكان زرع الكروم في مصر؟ وكم حبة يثمر القمح فيها؟ وكم في فرنسا؟ وهل في الإمكان حفر الآبار في الصحراء؟ هل الأرض هي الكوكب الوحيد المسكون؟ وكم عمرها؟ هل دعوى تفسير الأحلام صحيحة؟
روت كيف فوجئت بمنظر الإسكندرية: شوارع قذرة، غير مرصوفة، مقفرة من الشجر، ثم عدد كبير من الحلاقين، وعدد كبير من الكلاب الضالة، وهو نفس ما رأيناه في القاهرة.
نامعلوم صفحہ