صلى الله عليه وسلم ، ومصورون به صورته الشريفة وهو قائم على قدميه ناظر إلى السماء، وبيده اليمنى السيف، وفي اليسرى الكتاب، وحوله الصحابة بأيديهم السيوف. وفي صفحة أخرى صورة الخلفاء الراشدين، وفي ثالثة صورة المعراج والبراق وهو (
صلى الله عليه وسلم ) راكب عليه من صخرة بيت المقدس، وفي غيرها صورة بيت المقدس، والحرم المكي والمدني، وكذلك صورة الأئمة، وبقية الخلفاء والسلاطين، وصورة إسلامبول، وما بها من المساجد العظام كآيا صوفية، وجامع السلطان محمد.
ووجدت كثيرا من الكتب الإسلامية مترجمة بلغتهم، مثل كتاب «الشفاء» للقاضي عياض العالم المغربي، و«البردة» للبوصيري. وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات وتصاريفها واشتقاقاتها بحيث يسهل عليهم نقل ما يريدون من أي لغة كانت إلى لغتهم في أقرب وقت، وكتب في علوم الطب والتشريح، والهندسيات، وجر الأثقال.
لم يكن هناك عدد كبير من أصحاب المكان. لكني لاحظت كثيرا من الزوار يدخلون ويجلسون حول التختاة، فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء من الكتب، فيحضرها له الخازن، فيتصفحون ويراجعون ويكتبون. وكان بينهم عساكر وبعض أولاد البلد الشوام الذين يعرفون اللغات. ورأيت أحد عساكرهم منهمكا في حفظ آيات من القرآن الكريم.
الثلاثاء 4 ديسمبر
ذهبت اليوم إلى المجمع مبكرا. جلست إلى منضدتي. وألفيت فتاة رائعة الحسن تجلس إلى المنضدة المقابلة. كانت ذات بشرة حليبية وشفتين متطابقتين وأسنان رائعة، ولها عينان زرقاوان بأهداب طويلة، ورأس يكلله شعر ذهبي بديع. كانت ترتدي ثوبا رماديا، ويحيط بعنقها وشاح من الصوف غطى صدرها. ابتسمت لي. وعرفت فيها الشقراء التي رأيتها في الشارع تمرح مع أصدقائها فوق الحمير .
فتحت الدفتر وكتبت في صدر الصفحة الأولى «بسم الله الرحمن الرحيم». حددت الخزانة التي سأبدأ منها. واقترب مني شاب منهم أكبر مني سنا. سألني في غضب بلغتهم: ماذا تفعل هنا؟ لم أحر جوابا، فأشار بيده أن أترك مقعدي. نهضت واقفا وتناولت دفتري وتطلعت حولي حائرا. أومأت الفتاة إلى المنضدة المجاورة لها قائلة: تعال هنا. واحتل هو مكاني.
جلست إلى المنضدة التي عينتها لي، وكان فوقها محبرة وريشة وقلم من البوص. لم يكن بيني وبينها غير شبرين. سألتني عما إذا كنت أبحث عن شيء، فأجبتها بلغتها بأني أعمل هنا. قالت إن لغتي جيدة. قلت لها إني تعلمتها عند تاجر فرنسي، وأراجعها في الكتب بين الحين والآخر لكني أفتقد إلى المران. وذكرت لها اسمي، فقالت إن اسمها سيتويين - أي المواطنة - بولين. كانوا يلقبون أنفسهم بالمواطن والمواطنة على عكس أيام عملي عند التاجر الفرنسي الذي كنا نخاطبه بالمسيو أي السيد. ورويت لها كيف تعلمت القراءة والكتابة، وحفظت القرآن في كتاب قريتي، ثم مات أهلي في الطاعون؛ فجئت من الصعيد وجاورت في الجامع الأزهر. وشرحت لها معنى المجاورة حيث التغذية مضمونة من خلال التوزيع اليومي لحوالي قنطارين من الخبز، بالإضافة إلى الغاز الضروري لإنارة المصابيح، وفي كل شهر يوزعون علينا عطايا للمصاريف. وحاولت أن أرسم لها صورة لجو التدريس والجلبة التي يصنعها سوريون وفرس وأكراد ونوبيون وهم يناقشون الأحكام والجبر والتأويل والفلسفة، لكن اللغة خانتني. وقلت لها إني ترددت على دروس الجبرتي قبل أن يلحقني بمنزله لأواصل الدراسة على يديه وأصبح تلميذا له.
سألتني عن مصير هذه الدراسة، فقلت لها إن الدارس يصبح عالما بعد عشر سنوات، ويتولى التدريس، لكن الغالبية تنصرف بعد سنتين أو ثلاث.
صمتت متأملة ثم عادت إلى عملها. نهضت واقفا ومضيت إلى خزانة الكتب العربية. فتحتها وحملت بعض كتبها إلى منضدتي وجلست أتصفحها. كان بعضها في النحو والهجاء باللغتين العربية والفرنسية. ومنها كتاب عن سقوط القسطنطينية، وكتيب يضم أسماء مديريات القطر المصري بالعربية. ثم كتاب عن مرض الجدري، وآخر عن مرض الرمد بالعربية والإيطالية. وثالث يضم آيات قرآنية في لغتهم.
نامعلوم صفحہ