السبت 6 أكتوبر
عاد الجبرتي من اجتماع الديوان وهو يردد ساخرا: نو، نو. أسرع إليه جعفر بالماء والقهوة. وروى لي الشيخ أن الترجمان طلب اختيار شخص يكون كبيرا ورئيسا عليهم. فقال بعض الحاضرين: الشيخ الشرقاوي. فقال الرئيس: نو، نو، وإنما ذلك يكون بالقرعة. فعملوا قرعة بأوراق، فطلع الأكثر على الشيخ الشرقاوي.
لوى الجبرتي شفته ساخطا. قلت له إنه اختيار جيد؛ فهو رجل شجاع. قال: ماذا تعرف أنت عن الشيخ الشرقاوي؟ قلت: أتذكر أنه منذ حوالي ثلاث سنوات حضر له أهل بلبيس وشكوا من أتباع محمد بك الألفي الذين فرضوا عليهم إتاوات باهظة. فجمع الشيخ الشرقاوي المشايخ في الأزهر وأمروا الناس بإغلاق الحوانيت، وركبوا وخلفهم خلق كثير من العامة وذهبوا إلى بيت الشيخ السادات، ثم إلى جامع الأزهر، وفي اليوم التالي حضر الوالي التركي إلى بيت إبراهيم بك، واجتمع الأمراء وأرسلوا إلى المشايخ، فحضر الشيخ السادات والنقيب عمر مكرم والشرقاوي والبكري، ودار الكلام وانتهى بأن تاب الأمراء والتزموا بما شرطه العلماء، وانعقد الصلح على أن يصرفوا غلال الشون وأموال الرزق، ويبطلوا المظالم والتفاريد والمكوس.
أضفت: هو رجل شجاع إذن.
قال: كان يدافع عن مصلحته؛ فله أرض بالقرية التي تعرضت للعدوان. اسمع قصة الشيخ الشرقاوي.
قال إنه ولد في ذات القرية ببلبيس في أسرة فقيرة. وعندما أتم حفظ القرآن في الكتاب ارتحل إلى القاهرة لاستكمال تعليمه بالأزهر. وعاش وسط المجاورين في حالة من الكفاف؛ فاضطر إلى العمل إلى جانب دراسته. وتلقى الطريقة الصوفية على يد الشيخ الكردي. وعاش في ضنك، لا يطبخ في داره إلا نادرا، وبعض معارفه يرسلون له الصفحة من الطعام، ويدعونه ليأكل معهم. ثم عرفه الناس واشتهر ذكره فواصله بعض التجار الشوام وغيرهم بالزكوات والهدايا؛ فراج حاله وتجمل بالملابس وكبر تاجه. وضم إليه أشخاصا من الطلبة والمجاورين الذين يحضرون دروسه. وصار يذهب بهم إلى بعض المآتم فينشدون ويذكرون، ثم يطلبون العشاء ويأخذون دراهم.
ارتشف الشيخ من قهوته ثم قال: عندما أراد السلوك في طريقة الخلوتية حدث له اختلال في عقله، ومكث بالمارستان أياما، ثم شفي فلازم الإقراء، وألف في تاريخ الولاة والسلاطين وفي علم التوحيد. وتمكن بمساعدة بعض الأثرياء من شراء دار، وأصبح من أصحاب الأملاك، وتولى مشيخة الأزهر، وكان أول ما فعله أنه أراد التعويض عن أيام الحرمان بالمبالغة في إثبات قدره؛ فزاد في تكبير عمامته وتعظيمها حتى صار يضرب بها المثل. وعندما جاء الفرنساوية تقرب إليهم، فجعلوه رئيسا لديوان القضايا، فانتفع بالمعلوم المرتب له، واستولى على تركات ودائع خرج أربابها. وزاد طمعه فاستولى على إيرادات خان خوند طغاي، وأقام به مسجدا وضريحا لنفسه، وبنى بجانبه قصرا ملاصقا. واشترت زوجته الأملاك والعقار والحمامات والحوانيت.
تعجبت: كيف صار إذن شيخا لجامع الأزهر؟
قال: الله ابتلى الأزهر بأهل السوء الذين يضخمون من حجم عمائمهم، ويوسعون من أكمامهم حتى يبدون في هيئة المعلمين، ويتأبطون عددا من كتب الأصول أينما ذهبوا بهدف اصطياد العطايا.
الأحد 7 أكتوبر
نامعلوم صفحہ