ولم تلبث أن خرجت فتاة في رداء سابغ، وبرقع من الموسلين الأبيض يغطي وجهها كله عدا العينين، وشال يغطي رأسها. هبط أحد الجنديين ففتح لها الباب. ودارت العربة في نهاية الدرب لأنه مسدود، ثم مرت من أمامنا. انزوى حنا خلفنا كي لا تراه. ولم تكن قد أغلقت نافذة المركبة. ورأيتها تخلع النقاب والبرقع كاشفة عن وجه رائع الجمال.
تبعنا المركبة على مبعدة. ورأيناها تتوقف أمام بيت بونابرته. وبدا حنا موشكا على البكاء؛ فنهره عبد الظاهر قائلا: ما نهاية هذا كله؟ أنت قبطي وهي مسلمة.
قال حنا مدافعا: الحب لا يعرف التفرقة بين البشر في الدين أو غيره.
استعاذ عبد الظاهر من الشيطان الرجيم، وقال: إنها كافرة تستحق الرجم.
الخميس 6 سبتمبر
حضر الشيخ الصاوي ومعه شيخ آخر في الصباح الباكر. واجتمعا بأستاذي في القاعة الداخلية. تلكأت بجوار الباب، وسمعت الشيخ الصاوي يقول إن الفرنساوية أمهلوا محمد كريم حتى الظهر كي يدفع ثلاثين ألف ريال وإلا أعدموه.
كان الشيخ كريم في الأصل قبانيا يزن البضائع، ثم صار وكيلا لمراد بك الذي جعله حاكما للإسكندرية. وعندما وصلت المراكب الفرنساوية قام بتحصين القلاع، وجمع جيشا من المواطنين تصدوا للغزاة، ثم اعتصم بقلعة قايتباي إلى أن رأى عبث المقاومة فأعلن الاستسلام، وتلقاه بونابرته لقاء كريما، وأبقاه حاكما للمدينة.
والظاهر أنه واصل في الخفاء التحريض على قتالهم، ودافع عن أهل المدينة عندما فرض الفرنساوية سلفة إجبارية على تجارها، وتلكأ في تحصيلها فقبضوا عليه. وعندما حضروا إلى مصر عثروا في بيت مراد بك على خطاب من كريم يتضمن خططا لمقاومة الفرنساوية فأحضروه إلى مصر وحبسوه.
قال الشيخ الصاوي إن كريم أرسل في الصباح إلى المشايخ وإلى المحروقي، وذهب إليه البعض فترجاهم قائلا اشتروني يا مسلمين.
قال الجبرتي: الحال واقف كما تعرفان، ولست قادرا على التصرف في أرض الالتزام بأبيار، ولا أستطيع جمع ضرائبها من الفلاحين.
نامعلوم صفحہ