ويؤيد هذا ما ورد في حديث آخر : «إن المسجد ينزوي بالنخامة» (1)، مع أن المحسوس منه لم تتغير مساحته أصلا ، فكأن المراد أن النخامة توجب قلة توقيره وتعظيمه ؛ لأنه محل عبادة الله ، فيجب أن يكون موقرا مستعظما ، والنخامة فيه تنافي ذلك ، فيقل عظم قدره في العقل ، لا في الحس ، وهذا وأمثاله مما يدركه أهل البصيرة ( وما يذكر إلا أولوا الألباب ) (2).
* وصل
ولما كان الناس إنما يكلمون على قدر عقولهم ، ومقاماتهم ، فما يخاطب به الكل يجب أن يكون للكل فيه نصيب ، فالقشرية من الظاهريين لا يدركون إلا المعاني القشرية ، كما أن القشر من الإنسان وهو ما في الإهاب ، والبشرة من البدن ، لا ينال إلا قشر تلك المعاني ، وهو ما في الجلد والغلاف من السواد والصور ، وأما روحها وسرها وحقيقتها فلا يدركها إلا أولوا الألباب ، وهم الراسخون في العلم.
وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وآله في دعائه لبعض أصحابه ، حيث قال : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» (3)، ولكل منهم حظ ، قل أم كثر ، وذوق ، نقص أو كمل ، ولهم درجات في الترقي إلى أطوارها ، وأغوارها ، وأسرارها ، وأنوارها.
وأما البلوغ للاستيفاء ، والوصول إلى الأقصى ، فلا مطمع لأحد فيه ، ولو
صفحہ 53