وعقول الخلائق في الحقيقة أمثلة للعقول العالية ، فليس للأنبياء عليهم السلام أن يتكلموا معهم إلا بضرب الأمثال ؛ لأنهم أمروا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم ، وقدر عقولهم أنهم في النوم بالنسبة إلى تلك النشأة ، والنائم لا ينكشف له شيء في الأغلب إلا بمثل ، ولهذا من يعلم الحكمة غير أهلها يرى في المنام أنه يعلق الدر في أعناق الخنازير ، وعلى هذا القياس ، وذلك لعلاقة خفية بين النشآت ، فالناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ، وعلموا حقائق ما سمعوه بالمثال وأرواح ذلك ، وعقلوا أن تلك الأمثلة كانت نشورا.
قال الله سبحانه : ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله )، فمثل العلم بالماء ، والقلب بالأودية والينابيع ، والضلال بالزبد ، على ما فسره المفسرون.
ثم نبه في آخرها فقال : ( كذلك يضرب الله الأمثال ) (1)، فكل ما لا يحتمل فهمك فإن القرآن يلقيه إليك على الوجه الذي كنت في النوم ، مطالعا بروحك للوح المحفوظ ، ليمثل لك بمثال مناسب ، وذلك يحتاج إلى التعبير ، فالتأويل يجري مجرى التعبير ، فالمفسر يدور على القشر ، فافهم.
* وصل
ولك أن تقول : إن متشابهات الكتاب والسنة كلها محمولة على ظواهرها ، ومفهوماتها الأولية ، من دون حاجة إلى تأويل ، أو حمل على تمثيل ، أو تخييل ،
صفحہ 51